د.أحمد بكورة
تحولت أوراق الأشجار إلى اللون الأصفر، بدأت أشعر بشيء من البرد، أصبح النهار قصيرًا جدًا…
لا أصدق أنني أمضي كل نهاري في العمل!
الليل طويل جدًا، وعلى الرغم من أنني أنام قرابة عشر ساعات أظل مرهقًا!
لماذا يحدث هذا لي كل عام وفي الوقت نفسه من السنة؟! كم أكره الخريف وأكره نفسي!
إن كان هذا الحوار يتكرر دائمًا في نفسك، فاعلم -عزيزي القارئ- أنك مصاب باضطراب في المزاج، وهذه الأفكار تعد من أعراض “اكتئاب الخريف” الشائعة.
فما اكتئاب الخريف؟ وما عوامل الخطر للإصابة به؟ وكيف نشخصه؟ وما علاجه؟
سنجيب عن هذه الأسئلة وأكثر في هذا المقال، لكن دعنا أولًا نتعرف إلى الاكتئاب وأنواعه عامةً.
ما الاكتئاب؟
يعد الاكتئاب من اضطرابات المزاج، ويتضمن شعورًا دائمًا بالحزن وفقد الاهتمام.
يختلف الاكتئاب عن تقلبات المزاج -التي هي جزء طبيعي من الحياة- في أنه مستمر، فيجب أن تتوافر الأعراض مدة أسبوعين على الأقل، إذ إن الاكتئاب قد يدوم عدة أسابيع أو أشهر أو سنوات.
ويعد الاكتئاب أيضًا السبب الرئيس للعجز -حسب منظمة الصحة العالمية-، ويمكن أن يصيب البالغين والمراهقين وحتى الأطفال.
أنواع الاكتئاب
يوجد الكثير من أنواع الاكتئاب، أشهرها:
- الاكتئاب الكبير.
- اضطراب الاكتئاب المستمر.
- الاكتئاب الذهاني.
- والاكتئاب النفاسي (أو اكتئاب بعد الولادة).
- الاكتئاب الموسمي (أو الاكتئاب المرتبط بفصول السنة)، وهو موضوع حديثنا.
الاكتئاب المرتبط بفصول السنة
يعد الاكتئاب الموسمي شكلًا من الاكتئاب الذي يحدث بتغير فصول السنة، فقد يحدث كل عام تقريبًا عند الأشخاص المؤهلين للإصابة، وله شكلان:
١. الأول يدعى “اكتئاب الخريف” أو “اكتئاب الشتاء”.
يظهر عادة أول الخريف ويزداد سوءًا في الشتاء وينتهي في الربيع، فيؤثر في الحياة اليومية والشعور والتفكير.
٢. أما الشكل الثاني فهو نادر، ويدعى “اكتئاب الصيف”، يبدأ في أواخر الربيع أو أول الصيف وينتهي في الخريف.
عوامل خطر الإصابة باكتئاب الخريف
هذا الاضطراب شائع لدى الشباب أكثر من الكبار، ولدى النساء أكثر من الرجال، ومن عوامل الخطر الأخرى:
- التاريخ العائلي، إذ إن وجود أقرباء مصابين باضطرابات عقلية -مثل الاكتئاب أو الفصام- يزيد فرصة الإصابة.
- وجود اضطرابات مزاجية أخرى، مثل: الاكتئاب الكبير أو اضطراب ثنائي القطب -خاصة النمط الثاني.
- الإصابة السابقة بهذا المرض؛ نظرًا لإمكانية حدوث انتكاسة.
- العيش في المناطق الواقعة في أقصى الشمال من خط الاستواء، مثل: ألاسكا وإنجلترا.
- العيش في المناطق ذات الجو الغائم.
أسباب الإصابة باكتئاب الخريف
إن أسباب الإصابة باكتئاب الخريف غير معروفة بدقة، لكن قلة التعرض لأشعة الشمس قد تحرض المرض عند الأشخاص المؤهلين للإصابة.
إليك أهم النظريات المقترحة:
اضطراب التوازن الكيميائي في الدماغ
تستخدم المواد الكيميائية الدماغية التي تدعى “النواقل العصبية” لإرسال الإشارات وللتواصل بين الأعصاب، ومن هذه المواد السيروتونين المسؤول عن الشعور بالسعادة.
قد يوجد نقص مسبق في نشاط السيروتونين لدى الأشخاص المعرضين لخطر الإصابة بالمرض، ولأن أشعة الشمس تساعد على تنظيم السيروتونين فإن نقص التعرض لها في الخريف والشتاء يجعل الحالة أسوأ؛ إذ تهبط مستوياته أكثر مؤديًا إلى تغير المزاج.
زيادة الميلاتونين
يعد الميلاتونين مادة كيميائية تؤثر في أنماط النوم.
قد يحرض نقص أشعة الشمس إنتاجًا مفرطًا من الميلاتونين، مما يسبب الشعور بالكسل والنعاس في فصل الشتاء.
نقص فيتامين (د)
يعزز فيتامين (د) مستويات السيروتونين، وبما أن أشعة الشمس تساعد على إنتاج فيتامين د؛ فسيؤدي نقصها في الخريف والشتاء إلى عوَزه، مما يؤثر سلبًا في السيروتونين والمزاج.
تغيرات الساعة البيولوجية
تنظم الساعة البيولوجية الداخلية المزاج والنوم والهرمونات، وقد يحدث اضطراب في هذه الساعة عند قلة التعرض لأشعة الشمس؛ مسببًا اضطراب المزاج.
الأفكار والمشاعر السلبية
يعاني المرضى التوتر والقلق والأفكار السلبية عن الشتاء -غالبًا.
لم يتأكد الباحثون بعد إن كانت هذه الأفكار السلبية سببًا أم نتيجةً للاكتئاب الموسمي.
أعراض اكتئاب الخريف
مدة اكتئاب الخريف أربعة إلى خمسة أشهر، يعاني خلالها المريض أعراض الاكتئاب العامة، مثل:
- الشعور بالحزن معظم الوقت.
- القلق.
- تغير الشهية والوزن.
- التعب الشديد ونقص الطاقة.
- الشعور باليأس وانعدام القيمة.
- صعوبة التركيز.
- الشعور بالكسل أو التهيج.
- الشعور بثقل الأطراف.
- فقْد الاهتمام بالنشاطات الاعتيادية.
- اضطرابات النوم.
- أفكار عن الموت، وأفكار انتحارية.
بالإضافة إلى الأعراض الآتية الخاصة بهذا الشكل من المرض:
- التناول المفرط للطعام مع زيادة الشهية للكربوهيدرات.
- الانسحاب من المجتمع.
- زيادة الوزن.
- النوم المفرط.
تشخيص اكتئاب الخريف
لا يوجد تحليل دم أو تصوير لأجل تشخيص هذا الاضطراب، لكن قد يطلب منك الطبيب بعض التحاليل لنفي الحالات الأخرى التي قد تسبب أعراضًا مشابهة.
إذا وجدتَ أعراض الاكتئاب لديك فلا تحاول تشخيصه بنفسك، بل اذهب إلى الطبيب مباشرة.
يعتمد الطبيب في تشخيص المرض على:
- وجود أعراض الاكتئاب الكبير.
- وجود نوبات من الاكتئاب تحدث بتواتر أكبر في فصل معين أكثر من بقية السنة.
- حدوث نوبات من الاكتئاب في فصول محددة خلال سنتين متتاليتين على الأقل.
لنتحدث الآن عن كيفية التخلص من اكتئاب الخريف…
كيفية التخلص من اكتئاب الخريف
لا شك أن الشعور بالإحباط والحزن الدائمين مزعج، لكن لا تقلق! فوسائل العلاج كثيرة ومتاحة، ويمكن الاستفادة من عدة طرق للعلاج، تتلخص في:
- الأدوية المضادة للاكتئاب.
- تناول فيتامين (د).
- قضاء بعض الوقت خارج المنزل.
ما الأدوية المضادة للاكتئاب؟
تستخدم مجموعة من الأدوية لعلاج اكتئاب الخريف تدعى مثبطات إعادة امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRIs)، منها:
- الفلوكسيتين.
- سيتالوبرام أو إسيتالوبرام.
- سيرترالين.
- باروكسيتين.
هذه الأدوية تحسن المزاج بتنظيم مستوى السيروتونين في جسمك، فهي تستخدم لكل أنواع الاكتئاب بفاعلية جيدة.
يوجد أيضًا زُمرة دوائية تدعى البوبروبيون (Bupropion)، تتوافر في شكل حبوب مديدة التأثير، تمنع الإصابة إذا تناولتها يوميًا بدءًا من الخريف حتى الربيع.
ومن المجموعات الدوائية الأخرى التي تندرج تحت مجموعة مضادات الاكتئاب:
- مثبطات الأوكسيداز أحادي الأمين (MAOIs).
- مضادات الاكتئاب غير النموذجية.
- مثبطات إعادة امتصاص السيروتونين والنورأدرينالين الانتقائية (SRNIs).
يجب التأكيد على أهمية مراجعة الطبيب قبل تناول هذه الأدوية، لأن آثارها الجانبية وتداخلاتها الدوائية كثيرة جدًا، فهي لا تؤخذ دون وصفة طبية.
الوقاية من اكتئاب الخريف
حتى لا تعيش التجربة نفسها والشعور ذاته كل خريف، عليك اتباع هذه الخطوات بمجرد تشخيص الطبيب حالتك أول مرة:
- تناول غذاءً متوازنًا.
- حاول قضاء بعض الوقت خارج المنزل صباحًا، للحصول على قدر كافٍ من أشعة الشمس المفيدة.
- استخدم العلاج الضوئي أول الخريف، قبل أن تشعر بالأعراض.
- مارس التمارين الرياضية مدة ثلاثين دقيقة، بمعدل ثلاث مرات أسبوعيًا.
- احرص على رؤية الأصدقاء والمحافظة على علاقات اجتماعية ونشاطات يومية جيدة، لأن هذا يرفع معنوياتك خلال أشهر الخريف والشتاء.
- احصل على مساعدة خبير بالعلاج المعرفي السلوكي.
- اسأل الطبيب عن إمكانية البدء بالوسائل العلاجية مبكرًا للوقاية من حدوث الاضطراب.
إنذار المرضى
الإنذار جيد، فالمرض قابل للعلاج؛ إذ إن التشخيص الصحيح واستخدام مزيج من وسائل العلاج المتاحة يخفف الأعراض، إضافة إلى أن اتباع أساليب الوقاية يساعدك على تجنب تكرار المعاناة.
نصائح لمرضى اكتئاب الخريف
لا تيأس أو تستسلم للمرض، فهو قابل للعلاج مثل غيره من الأمراض العضوية، سارع إلى طلب العون من الطبيب النفسي، واسمع النصائح الآتية:
- التزم بالخطة العلاجية التي وضعها الطبيب.
- اهتم بنفسك جيدًا، وتناول غذاءً متوازنًا، ومارس الرياضة، واحصل على نوم كافٍ، وتغلب على التوتر بالتحدث مع شخص مقرب منك أو مع الطبيب.
- ضع خططًا للمستقبل، لتكون مستعدًا في حال ساءت الأعراض، ولكي تستطيع التعامل مع احتمال تكرر نوبات الاكتئاب.
إن إبقاء نفسك مشغولًا بالنشاطات المختلفة، قد يساعدك على التغلب على المرض.
- لا تتناول الكحول أو أي دواء قد يزيد الأعراض سوءًا ويتداخل مع مضادات الاكتئاب.
- لا تعزل نفسك عن الآخرين؛ فالعزلة تزيد الأعراض سوءًا.
- حاول التغلب على أي أفكار انتحارية، وتوجه فورًا إلى الطبيب النفسي.
في الختام…
تذكر -عزيزي القارئ- أن اكتئاب الخريف شائع جدًا، ولا يدل على ضعف أو تقصير منك، إنما هو مرض يؤثر في المزاج وطريقة التفكير.
لكن لا تهمل نفسك، فبمجرد شعورك بالأعراض اطلب الدعم النفسي فورًا.
وإذا كان لديك أحد عوامل خطر الإصابة باكتئاب الخريف فخذ بأسباب الوقاية منه، وتغلب على الأفكار السلبية، واحصل على المزيد من ضوء النهار.
وتوكل على الله ولا تقلق!
اقرأ أيضًا
تريتيكو | لا تدع الاكتئاب يسرق حياتك
نوبات الهلع وتأثيرها على الجسم | لا خوف بعد اليوم
التربتوفان (L-tryptophan) | تحسين المزاج وما يفعله في جسم الإنسان
