الصحة النفسيةطبيقصص تمكين

الحرب النفسية وتأثيرها في العقول

تعتمد معرفتنا عن الأشياء على البحث عنها على الشبكة العنكبوتية أو متابعة الإعلام، لا شك أن الإعلام له اليد العُليا في تغيير أفكار الشعوب وتعاطفهم مع الأحداث والمواقف المختلفة، والتأثير فيهم، اُستخدمت قوة الإعلام أداة قتال في الحروب، فكان المذيعون والصحفيون جنودًا في الحرب أيضًا، ذلك باستخدام ما يُسمى بالحرب النفسية. 

إذ لم تقتصر الحرب على المناورات العسكرية والقتالية التي ينفذها الجنود فقط، أو على الأسلحة و القنابل المستخدمة في تدمير العدو. 

هل سمعت عن مصطلح الحرب النفسية أو الباردة أو حرب الأعصاب؟ فيما يلي سنشرح هذا المصطلح بالتفصيل وكيف اُستخدم؟ 

ما الحرب النفسية؟ 

أُطلق لفظ الحرب النفسية على استخدام الوسائل غير القتالية في أثناء الحروب، لإحياء الروح المعنوية للشعب وتثبيط قدرة العدو على القتال. 

تُعد أحد الأساليب المستخدمة الاعتماد على الشائعات والصحافة والإعلام، إذ تعتمد على نشر الأخبار -الصحيحة والكاذبة- للتأثير في أفكار ومعتقدات وعزيمة العدو. 

الحروب النفسية بين الماضي والحاضر 

لعلك تظن أن لفظ الحرب النفسية هو لفظ حديث، لكن في حقيقة الأمر قد تَبَنَت بعض الجيوش استخدام الحروب النفسية منذ القدم. 

اعتمد جنكيز خان على الحرب النفسية في أثناء فتوحاته، إذ أشاع المغول أن أعدادهم مهولة وطباعهم صعبة، مما أضعف أعداءهم وسهَّل انتصارهم. 

ثم استخدم هذا النوع من الحرب من قِبل عدة دول على مر التاريخ، ومع تقدم التكنولوجيا تطورت وسائل تحقيقها. 

فأصبحت الحروب النفسية لا تعتمد على الشائعات فقط، بل على وسائل الإعلام المرئية والسمعية وتوزيع المنشورات التي ترفع معنويات الجيش وتحثه على القتال. 

في وقتنا الحاضر أصبح انتشار المعلومات أسرع، بالتالي أصبح استخدام الحرب النفسية أسهل باستغلال أكثر من وسيلة مثل الشبكة العنكبوتية. 

أهداف الحرب النفسية

تتلخص أهداف الحروب النفسية في:

  1. التأثير في أفكار ومعتقدات ومشاعر الناس.
  2. بث الروح المعنوية والعزيمة في الشعب في أثناء الحرب. 
  3. إضعاف عزيمة العدو على القتال، فيسهل هزيمته. 
  4. إثارة الرعب وإضعاف العدو. 
  5. كسب تعاطف بعض الدول الصديقة والتأثير في مواقفهم. 

تتحقق هذه الأهداف من الحرب النفسية بدراسة معتقدات وأفكار وعادات البلاد أولًا، ودراسة نقاط القوة والضعف لديهم، حتى يسهل التأثير فيهم وهزيمتهم.

طرائق الحروب النفسية

تستخدم الحرب النفسية تقنيات ووسائل كثيرة، التي تعد أسلحة الحرب هنا، منها:

الأخبار والجرائد

تعد الأخبار والجرائد مصدر المعلومات الأسهل للوصول إلى الناس، ويمكنها أن تحتوي على أخبار صحيحة أو وهمية. 

إذ تبث الجرائد والأخبار المعلومات التي تريدها بهدف السيطرة على عقول القراء، سواء كانت تابعة للحكومة أو تابعة لشخص ما. 

رسائل التهديد 

تدمر رسائل التهديد المُتَلقي نفسيًا، وتبث الرعب في نفسه، سواء كانت تهديدات وهمية أو مصحوبة بنية تنفيذها. 

المنشورات

هي وريقات تحتوي على معلومات وصور تُطلق من الطائرات على أرض المعركة، بهدف دعم الجنود أو معارضة النظام. 

الرمزيات 

تعد الرمزيات -مثل البوسترات والتيشرتات و القبعات الدالة- من أكثر الوسائل الفعالة في نفسية الأفراد. 

ترمز هذه الأشياء إلى رسائل سياسية أو دينية، كذلك تعد وسائل للدعاية و الترويج. 

العلم الزائف

يُطلق هذا المصطلح عندما تنشر مجموعة ما معلومات خاطئة أو تنفذ هجومًا مزيفًا وتتهم جهة أخرى بالهجوم. 

ذلك لتغيير آراء الناس تجاه مجموعة معينة وكسب دعمهم، ولفرض السيطرة والتحكم. 

الإعلام

يعد الإعلام من أكبر الوسائل الحالية التي تسيطر على العالم أجمع، إذ يمكن تغيير التاريخ والمستقبل بأكمله بوسائل الإعلام المرئية والسمعية، والأفلام والموسيقى والكتب. 

إذ تبث هذه الوسائل الأفكار التي تخدم هدفها للشعب وتسعى لفرضها وإقناعهم بها.

الحروب النفسية للإعلام

أصبح الإعلام الآن قوة لا يُستهان بها، فهو المتحكم في عقول وتوجهات بعض الناس، إذ إنه بمثابة نافذتنا التي تعرفنا على العالم. 

إنه مصدر المعلومات الوحيد لنا، لذلك يمكن استغلاله في الحروب النفسية والسيطرة على الناس سواء بالأخبار أو البرامج أو الجرائد. 

أنواع الدعايا المستخدمة في الحرب النفسية

لا تعتمد الدول على الإعلام فقط في بث الخوف والأفكار الخاطئة في نفوس العدو، بل تعتمد أيضًا على الشائعات والدعايا. 

من أنواع الدعايا:

الدعايا البيضاء

تحتوي على معلومات صحيحة مع ذكر مصدرها، من أمثلتها المنشورات التي استخدمتها الحكومة البريطانية في أثناء الحرب العالمية الثانية. 

كانت المنشورات تهدف إلى رفع الروح المعنوية للشعب وإشراك المدنيين في الحرب، سواء بالقتال أو العمل في المصانع والمناجم أو عمل النساء لزيادة الاقتصاد. 

الدعايا السوداء

تهتم بنشر معلومات خاطئة أو تنسب المعلومات لمصادر خاطئة مثل أن تتهم العدو بأنه مصدر المعلومات. 

بدأت الدعايا السوداء في عام ١٩٣٩ بإلقاء منشورات فوق أوروبا المحتلة، بهدف استطلاع أهداف القصف المستقبلية. 

ثم مع تقدم الحرب أصبحت المنشورات الملقاة تكشف عن أماكن صناعتها. 

في عام ١٩٤١، أنشأت الحكومة البريطانية كيانًا سريًا لبث المعلومات الخاطئة والدعايا السوداء عبر قناة (BBC) لأوروبا كلها، كذلك كان مسؤولًا عن أخبار الحلفاء. 

الدعايا الرمادية 

هي النوع الأكثر غموضًا ومكرًا في أنواع الدعايا المختلفة، تعتمد على المعلومات الخاطئة أو المضللة التي يطلقها العدو، بهدف تشويه سمعة الطرف الآخر وهزيمته بإثارة الرأي العام. 

من أشهر أمثلة الدعايا الرمادية المعروفة للعالم هي:

أولًا: صورة طائر الغاق أو غراب البحر المغطى بالنفط التي انتشرت في الإعلام في أثناء حرب الخليج

اُستغلت هذه الصورة في الإشارة إلى أنها رمز للآثار السلبية لنفط صدام على العالم. 

ثم ظهر بعد ذلك أن هذه الصورة أُلتقطت عند تعثر ناقلة نفط على ساحل فرنسا، مما أدى إلى تغطية هذا الطائر في الصورة بالنفط، ولا علاقة لها بالخليج أو صدام. 

ثانيًا: ما حدث في حرب العراق عندما أشارت بعض التقارير إلى وجود أسلحة كيميائية في العراق، المبرر الذي قامت على أساسه الحرب. 

ثم اتضح زيف هذه التقارير وعدم وجود أي أسلحة كيميائية في العراق، لكن بعد أن قامت الحرب ودمرت البلاد. 

أمثلة تاريخية على الحرب النفسية

اُستخدم أسلوب الحرب النفسية منذ القدم، حتى من قبل أن يُطلق عليها هذا اللفظ، من هذه الأمثلة:

صافرات الموت

ثبت بالتجربة منذ القدم أن الأصوات لها أبلغ الأثر في نفس الجنود والأعداء، لذلك استخدمت الأصوات في كثير من الحروب. 

مثل استخدام شعوب الآزتك -من الشعوب الأصلية في الأمريكتين- أصوات الصافرات التي يطلقونها من آلات على شكل جمجمة. 

أطلقوا على هذه الصافرات اسم صافرات الموت لأن صوتها يشبه صراخ الموت، وكانت تُستخدم لإثارة الرعب في نفوس أعدائهم. 

حرب الاستقلال الأمريكية

تعد الولايات المتحدة الأمريكية من أكثر الدول التي استخدمت الحرب النفسية في حروبها، من ضمنهم حرب الاستقلال الأمريكية مع بريطانيا. 

فبعد أن استأجرت بريطانيا جنودًا من مقاطعة هسن الألمانية لمشاركتهم في الحرب، وزَّعت الولايات المتحدة منشورات كتبها بنجامين فرانكلين باللغة الألمانية. 

كُتبت المنشورات بطريقة تبدو وكأنها رسالة مسروقة كتبها أحد جنود هسن لقائد في أرض المعركة يأمره بزيادة الخسائر حتى يضمنوا مزيدًا من المال نظير جنود آخرين. 

كانت هذه المنشورات تهدف إلى انشقاق جنود هسن عن بريطانيا وتركهم أرض المعركة. 

الحرب العالمية الأولى

أسست بريطانيا في أثناء الحرب العالمية الأولى مؤسسة لكتابة منشورات تُسقطها على أرض العدو، بهدف تدمير روح القتال عند العدو. 

حروب المغول

أشاع المغول كذبًا أنهم يملكون عددًا كبيرًا من الفرسان والجنود، فكانوا يربطون العرائس على ظهر أحصنتهم في المعركة، مما يخيف أعداءهم ويسهل هزيمتهم. 

الحرب الأهلية في نيكاراغوا

استخدمت الولايات المتحدة عند تدخلها في الحرب الأهلية في نيكاراغوا صوت دوي الانفجارات، كوسيلة لممارسة الحرب النفسية على الساندينيين ولإضعاف نفسيتهم. 

حرب الفيتنام 

يعتقد الفيتناميون أنه في حالة عدم دفن موتاهم في موطنهم، تتحول الجثث إلى أرواح متألمة هائمة. 

استغلت الولايات المتحدة هذا المعتقد في بث نغمة مصممة خصيصًا تشبه صوت الأشباح فوق رؤوس الفيتناميين، لإثارة رعبهم. 

كيف نحمي أنفسنا من الحرب النفسية

  1. التفكير بالعقل وليس العاطفة. 
  2. التحري عن مصدر المعلومات جيدًا.
  3. عدم التسرع في أخذ القرارات وبناء الآراء. 
  4. البعد عن التوتر والقلق والتحدث عن مخاوفنا، حتى نتغلب عليها. 

ختامًا، يتضح لنا أن الإعلام بكل وسائله هو المتحكم في كل انفعالاتنا وآرائنا، وقد نجحت بعض الدول منذ القدم في استغلاله لممارسة الحرب النفسية على أعدائها. 

اقرأ أيضًا

متلازمة الجثة المتحركة (Cotard delusion) | أين اختفت أعضائي؟!

متلازمة كوتار | متلازمة الجثة الحية

مراجعة عامة/ د.هند السيد

المصدر
thoughtcofactinatedailypioneer.digital.nls.uk

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى