الصحة النفسيةطبي

المتلازمات الثقافية | ما بين المرض النفسي والمعتقدات الثقافية

تتميز كل منطقة من العالم بثقافتها الخاصة وتُورث أبناءها مجموعة من العادات، والمتلازمات الثقافية التي تخصها.

إذ تظل داخل كل فرد ثقافته المرتبطة ببلده ومعتقداته، فهي الهوية التي تُميزه ولا يستطيع التنازل عنها مهما اضطرته الظروف للسفر إلى مكان آخر.

هل تستطيع أن تخمن -عزيزي القارئ- ما معنى المتلازمات الثقافية الخاصة بكل منطقة؟ أو هل سبق أن رأيت هذا المصطلح من قبل؟

إذا كنت من محبي القراءة والبحث عن علم المجتمعات، ستجد ضالتك ومتعتك في هذا المقال، فتابعنا.

ما المتلازمات الثقافية (Culture- bound syndrome)؟

تُعَبر المتلازمات الثقافية عن مجموعة من الأعراض الجسمانية أو العقلية والنفسية، التي تظهر بين أفراد المجتمع أو الثقافة الواحدة.

تُعامَل هذه المجموعة من الأعراض على أنها مرض يرتبط بهذا الجزء من العالم، وتسبب بعضها مشكلات صحية بسيطة.

صفات المتلازمات الثقافية

تُسمى الأمراض متلازمة ثقافية عندما تتميز بالآتي:

  • أن تُصنف هذه الأعراض مرضَا في هذا الجزء من العالم.
  • انتشار الأعراض بين أفراد المجتمع دون غيره، وانتشار معرفتها بينهم.
  • عدم معرفة أي معلومات عن هذا المرض عند المجتمعات الأخرى.
  • عدم وجود أي تغيير في أنسجة أو أجهزة الفرد يؤدي إلى هذا المرض.
  • معالجة المرض بالطب الشعبي الخاص بالمجتمع.

أعراض المتلازمات الثقافية

ترتبط المتلازمة الثقافية ببعض الأعراض الجسمانية أو السلوكية، من أهمها:

  • ألم في الجسم.
  • اضطراب وظيفة أحد أعضاء الجسم.

أحيانًا تتشابه بعض المتلازمات في بقاع مختلفة من العالم في بعض صفاتها، لكن دائمًا توجد بعض السمات التي تميز متلازمة منطقة عن الأخرى.

هل المتلازمات الثقافية مرتبطة ببلد المنشأ أم بلد المعيشة؟

اعتاد الباحثون أن يطلقوا لفظ المتلازمة الثقافية على مجموعة من الأعراض التي تظهر على شعب بلد ما.

لذلك كان التوجه أن هذه المتلازمة أو الاضطراب يرتبط بالبلد التي ينشأ فيها الفرد، ويتميز بها هذا البلد.

لكن مع مرور الأيام اكتشفوا أنه توجد بعض الأعراض المتشابهة التي تظهر على الأفراد، مع عدم انتمائهم لنفس المجتمع.

يرجع ذلك إلى انفتاح كل ثقافة على الأخرى والتطور التكنولوجي والعولمة.

لهذا السبب لم تعد هذه الأمراض تقتصر على أفراد ثقافة معينة، مع وجود بعض السمات البسيطة المختلفة من ثقافة لأخرى.

أمثلة لبعض المتلازمات الثقافية الشهيرة

توجد عدة ظواهر صُنفت كمتلازمة ثقافية، الآن سنتحدث عن بعض الأمثلة لتلك الظواهر أو المتلازمات بالتفصيل.

متلازمة أموك (Amok)

تعني أموك بلغة شعب الملايو “نوبة الغضب”، ويستوطن هذا الشعب جزيرة الملايو وبعض الجزر المجاورة في جنوب شرق آسيا.

تصيب هذه المتلازمة الرجال من شعب الملايو، وتتكون من:

  • مدة من الاكتئاب.
  • يتبعها انفجار مفاجئ من الجنون والغضب القاتل، وعادة يحدث هذا الانفجار نتيجة إهانة الشخص المصاب أو سبّه أو الشعور بالغيرة أو اليأس.
  • يموت الشخص المصاب غالبًا بالقتل أو الانتحار.

متلازمة لاتاه (Latah)

تُعد أحد تلك المتلازمات الثقافية التي تحدث في جنوب شرق آسيا.

ينشأ عن المصابين بهذه المتلازمة ردود أفعال مبالغ فيها في بعض المواقف، مع حالة تشبه الغيبوبة يفقدون فيها التحكم في أفعالهم وسلوكياتهم.

إذ يبدأون في محاكاة كلام وأفعال الأشخاص المحيطين بهم، ويطيعون أي أمر يُوجه إليهم.

متلازمة (Kufungisisa)

تنتشر هذه المتلازمة في شعب الشونا في زيمبابوي، وتعني الإفراط في التفكير.

إذ إن هذا الشعب يصاب بأعراض مشتركة عند التفكير الكثير، مثل:

  • كثرة الأفكار المزعجة والقلق.
  • الاكتئاب.
  • أعراض جسدية، مثل: ألم القلب.

ممًّا قد يخلق صعوبات في التعامل مع الآخرين والمجتمع ككل.

متلازمة (Pibloktoq)

تحدث لقاطني القطب الشمالي، وتُدعى أيضًا هيستريا القطب الشمالي.

يُصاب الشخص بنوبة فصامية من الإثارة الشديدة يسبقها حالة من الهياج، ثم يعقبها تشنجات وإغماء.

وفي أثناء النوبة تصدر أفعال غريبة من المصاب، مثل: الجري عاريًا أو تدمير الممتلكات.

أرجع أحد الباحثين سبب هذه المتلازمة الثقافية إلى التسمم بفيتامين أ، الموجود في مصادر الطعام بالقطب الشمالي، مثل: الدببة القطبية، بينما اعتقد آخرون أن السبب قلة فيتامين د أو الكالسيوم.

متلازمة (Lycanthropy)

تعد أحد المتلازمات الثقافية النادرة، يتوهم فيها الشخص أنه تحول إلى حيوان ما ويتصرف مثله تمامًا، مثل: الكلب والذئب، والطيور والحشرات.

نشأت هذه المتلازمة تأثرًا بالأسطورة اليونانية التي تحول فيها الملك ليكاون إلى ذئب، عقابًا له على تقديم اللحم البشري لزيوس على العشاء.

متلازمة (Taijin Kyofusho)

يعني اسم هذه المتلازمة الثقافية اضطراب الخوف، وتحدث في اليابان.

تفضل الثقافة اليابانية مصلحة الجماعة على رغبات الفرد، ممَّا يخلق ضغطًا على الأفراد ويصابون بهذه المتلازمة.

إذ يصبح الفرد خائفًا من أن يكون عقله وتفكيره أو حتى مظهره الجسدي، مصدر إحراج أو استياء للآخرين.

متلازمة دات (Dhat)

تُعد متلازمة دات واحدة من تلك المتلازمات الثقافية التي انتشرت في جنوب شرق آسيا، خاصةً الهند.

يشعر المريض في هذه المتلازمة بالقلق الشديد والخوف، فيما يخص فقدان السائل المنوي بأي كيفية، سواءً في الجماع أو الاستمناء أو مع البول.

نشأت هذه الأعراض نتيجة تعريف الأدب في عصر فيدا (عصر من عصور الهند قديمًا) للسائل المنوي، إنه أهم عنصر أساسي في الجسم، وكان يُعتقد إنه يتكون من الطعام الذي يستهلكه الفرد، بالتالي فإن الحفاظ على السائل المنوي يقي الفرد من المشكلات الصحية المختلفة.

متلازمة الزار (Zar)

تعد زار نوعًا من الطقوس الذي ينتشر في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

إذ يُعتقد أن الذين يخضعون لهذه الطقوس، مصابون بنوع من امتلاك أو التباس الروح، مما ينتج عنه مجموعة من الأعراض، منها:

  • نوبات من الانفصام.
  • الضحك المفرط أو البكاء أو الصراخ.
  • أحيانًا يضربون رؤوسهم في الحائط أكثر من مرة.

يكون المريض بهذه المتلازمة عادةً غير مبالٍ، وعلى تواصل وعلاقة مع مالك روحه، كذلك يُصنف البعض هذه الأعراض على أنها مجرد فصام، أو هلوسة أو أنها تحدث نتيجة تعاطي بعض الممنوعات.

المتلازمة الثقافية (Shin- byung)

يعني اسمها داء الروح، وتحدث في كوريا، وتتمثل متلازمة داء الروح في بعض الأعراض التي تظهر على الفرد، منها:

  • القلق.
  • الضعف.
  • الدوار.
  • مشكلات الجهاز الهضمي.

يرجع الشعب هذه الأعراض إلى تلبس الشخص بروح أحد الأجداد القدامى الموتى.

متلازمة (Susto)

تعني اسم المتلازمة بالأسبانية الخوف، وتنتشر في الولايات المتحدة الأمريكية وأمريكا اللاتينية، والجنوبية.

تتميز بالشعور بمغادرة الروح لجسد الفرد، عندما يتعرض لشيء مخيف.

تتشابه أعراض هذه المتلازمة الثقافية مع أعراض بعض الأمراض النفسية، مثل: الاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة.

متلازمة السقوط (Falling out)

تُعد هذه المتلازمة من المتلازمات الثقافية التي تحدث في الولايات المتحدة الأمريكية، في جزئها الجنوبي.

تتصف بسقوط الشخص فجأةً أو إغمائه، لكن يسبق سقوطه عدة أعراض، منها:

  • الشعور بالعمى رغم بقاء عينيه مفتوحتين.
  • عدم القدرة على الحركة مع وعيه بالبيئة المحيطة.

متلازمة شلل الدماغ (Brain Fag)

ظهرت المتلازمة أول مرة بين الطلاب في نيجيريا في الستينات، ثم بدأت في الظهور في مختلف أنحاء أفريقيا.

 تتميز ببعض الاضطرابات الحسية والإدراكية التي تنتج بسبب الضغط والإجهاد الشديدين، وشدة الأنشطة الذهنية.

من أعراضها الحسية والإدراكية:

  • صعوبة التركيز.
  • صعوبة بقاء المواد الدراسية في الذهن.
  • الشعور بالحرارة.
  • خفوت وضعف الرؤية.

ختامًا -عزيزي القارئ-..

تتعدد المتلازمات الثقافية وتختلف من دولة لأخرى، ومنها ما لم يرد ذكره في هذا المقال.

من الممكن أن تبدو غريبة للبعض ويصنفونها مرضَا عقليًا وعلى أساس علمي، بينما يصنفها الآخرون ظاهرة من الظواهر التي تتعلق بمكان معين وأفراده.

اقرأ أيضًا

القلق النفسي عند المراهقين | ابني المراهق لا تقلق!

متلازمة الكمال | السعي إلى المثالية

التشتت الذهني | وعلاج قلة التركيز

مراجع عام د.هند السيد
مراجع طبي د.سارة محمد

المصدر
palomar.edusagepubpsychologyverywellmindcsp.edubritannicamedicinenetmedscape

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى