الميتافيرس (Metaverse) كلمة مكونة من شقين، الكلمة الأولى ميتا (Meta) وتعني (beyond) أو ما وراء أو في الجانب الآخر، والثانية (verse)، وتعني (universe) أو العالم، وتعني العالم الموازي.
تلك الكلمة التي انتشرت في الأيام القليلة الماضية، وشاع البحث عنها خاصة بعد إعلان مؤسس شركة فيس بوك عن تغيير اسم شركته
إلى (ميتا) لمواءمة الشركة مع طموحاتها لبناء الميتافيرس (Metaverse).
ما هو الميتافيرس؟
مرحبا بك في العالم الموازي الميتافيرس “Metavers” تخيل نفسك داخل العالم الرقمي، تعيش فيه دون الحاجة للمغادرة.
لك شخصية “Avatar” تتجول داخل بيئات العالم الافتراضي المشتركة، التي يمكن أن يصل إليها الناس عبر الإنترنت.
ستكون مغمورًا بالكامل في العالم الافتراضي، وبارتدائك جهاز حول الرأس ستكون قادرًا على التفاعل بشكل يطابق جميع تحركاتك، التي تريد إرسالها إلى الأشخاص الذين يتفاعلون معك من خلال الميتافيرس.
خلق الواقع الممتد “extended reality” الذي يجمع بين العالم الافتراضي المعزز، والعالم الواقعي.
تلك الفكرة التي تمثل الطفرة القادمة في عالم الإنترنت، وستصبح الوسيلة الرئيسة للمشاركة الاجتماعية والتجارية.
لقد أصبحت الحقائق المادية والافتراضية متشابكة بشكل متزايد، فهناك تقنيات مثل: نظارات الواقع الافتراضي، والواقع المعزز (VR glasses).
وهذا أكبر دليل على أن التقنية والإنترنت تحيط بنا من كل جانب، بل ويسيطر على الطريقة التي نفهم بها العالم.
“الميتافيرس قادم”
هذا ما قاله الرئيس التنفيذي لشركة نفيديا “Nvidia” جانسن هونج منذ عام مضى.
وإذا كانت العشرون عامًا الماضية مذهلة فإن العشرين القادمة ستكون كالخيال العلمي، وستبدو مثل رواية “Snow Crash” التي صاغها المؤلف نيل ستيفنسون عام 1992م. إذ صور “الميتافيرس” على أنه الجيل التالي من الإنترنت.
وستكون المدن كالتي ظهرت في فيلم “Hyper Reality” حيث اندمجت فيها الحقائق المادية والافتراضية، وكانت المدينة مشبعة بالوسائط.
ويطلق البعض على الميتافيرس “خليفة الإنترنت” ويصفه الكاتب ديف شبتون، بأنه نقطة التقاء لمعظم إن لم يكن كل الوسائط وتقنيات الحَوسَبة والاتصالات، فهي مساحة ثلاثية الأبعاد مشتركة حيث يمكن للمستخدمين رؤية الآخرين والتفاعل معهم وتبادل الخبرات ويمكن أن يعكس العالم الحقيقي أو أن يكون خيالًا تامًا.
إن ألعاب بناء العوالم مثل(Minecraft) و(Fortnite) تشبه ما هو قادم وهي نسخة بدائية للميتافيرس
وفيها يقوم السكان ببناء المدن والالتقاء في الاحتفالات والتواصل وتبادل الخبرات.
إلا أن عوالم المستقبل ستكون واقعية وسَتُطِيع قوانين الفيزياء أو لا وستكون مأهولة بالشخصيات البشرية “Avatars” وكائنات الذكاء الاصطناعي.
وقد كشفت إحدى الشركات المطورة للألعاب النقاب عن نماذج واقعية من البشر “Meta Humans” التي لا تتطلب وقتًا طويلا للتصميم.
والآن عزيزي القاريء نأتي للسؤال الأهم ما هي الجوانب الإيجابية والسلبية للميتافيرس، وما هي تداعيات استخدامه؟
أصبحنا اليوم نلتقي عبر تطبيقات مثل الزووم وغيرها لعقد الاجتماعات وتلقي المحاضرات وتخطينا حاجز المكان.
وإليك عزيزي القاريء أحد أهم التقنيات التي تُشعرك أنها من المستقبل وهي:
إجراء العمليات الجراحية عن بعد:
في عام 2001 أجرى الجراحون أول عملية جراحية عبر المحيط الأطلسي في نيويورك لمريض في فرنسا.
وفي السنوات الأخيرة ظهر في السوق أول جراح آلي يسمى” نظام دافنشي”.
وفي مستشفى سانت جوزيف في هاملتون في كندا كان الطبيب (Anvari) يستخدم الجراح الآلي في إجراء العمليات الجراحية عن بعد. لمرضى يبعدون عنه آلاف الكيلو مترات ولا يتواجد معهم جسديا في نفس المكان.
ويتكون النظام الجراحي للروبوت من التالي:
- ذراع واحد أو أكثر يتحكم فيه الجراح بكلتا يديه وبنفس الطريقة التي يمسك بها أدواته داخل غرفة العمليات.
- وحدة تحكم رئيسية.
- نظام حسي يعطي معلومات عن سير العملية للمستخدم.
- ومزود بكاميرا آلية متحركة تمثل عين الطبيب.
ويستطيع الطبيب التحدث إلى الممرضات في غرفة العمليات على الجانب الأخر مع المريض؛ لإعطائهم التعليمات. ومعهم الجراح الروبوت الذي ينفذ العملية فيقطع ويستأصل أجزاء من الجسم.
يبدو الأمر مذهلا ولكنها حقيقة!
فقد أجرى الجراح الآلي “Zeus” عشرين عملية جراحية إلى الآن في مستشفى مجتمعي يفتقر إلى الخبرة والمرافق.
ويُعرف هذا النوع من العمليات باسم (Remote Surgery) أو(Telesurgery) ويعتمد على الاتصالات السلكية واللاسلكية والروبوتات وخطوط أرضية قوية واتصالات إنترنت قوية.
المزايا
يتبنى كثيرًا من الأطباء فكرة تعميم التطبيب عن بعد لما لها من مزايا ومنها:
- إتاحة الكفاءة الطبية للمرضى عن بعد.
- عدم الحاجة إلى السفر لتلقي العلاج.
- تخطي حاجز المكان، فلن تعد المسافة مشكلة حينئذ.
العيوب
- التأخير في الوقت ولوكان جزء من الثانية بسبب تباطؤ الإنترنت يأتي بمزيد من التأخير عند الطرف الأخر.
- انقطاع الإنترنت قد يسبب كارثة أثناء العملية.
- ليس هناك إلى الآن روبوت مدرب على وضع القيادة الذاتية ليُكمل العملية حتى نهايتها في حال انقطاع الإنترنت.
- الحاجة لجراح مدرب لإسعاف المريض، إذا حدثت أي تداعيات أثناء العملية، من توقف التنفس أو انهيار الدورة الدموية.
- والحاجة إلى أجهزة حاسبات قوية وتقنية عالية.
- الحاجة إلى روبوت يمكن الوثوق به لأداء العملية.
وبعد كل ذلك نحتاج إلى شجاعة المريض الذي يضع نفسه وحياته تحت تصرف إنسان آلي.
كل ذلك يوضح المقدار الهائل والتوسع المذهل في استعمال التقنيات التي تُدار عن بعد،
التي زاد الطلب عليها خاصة مع انتشار وباء كورونا والالتزام بالإجراءات الاحترازية.
وهذا يجعلنا نعود مرة أخرى إلى عالم الميتافيرس، ونسأل هل هناك تأثير سلبي على مستخدميه؟
والجواب نعم. ومن أهم آثاره السلبية ما يلي:
1– ضعف التواصل الاجتماعي مع الآخرين
مع هذا الطوفان الرقمي الميتافيرس وازدياد التداخل بين العالم الواقعي والعالم الافتراضي يميل البشر إلى قضاء معظم أوقاتهم في الفضاء الرقمي.
فبحلول عام 2030 سيتحول العالم الافتراضي إلى حقيقة نعيشها وسنقضى أغلب الوقت في بيئات افتراضية. وسنصبح نحن أيضا أشخاص افتراضيين.
وحالة الهروب تلك من الواقع إلى عالم من الهولوجرامات يصبح المرء أكثر عزلة وأقل رغبة في حضور المناسبات والاجتماعات العائلية.
ويقل الترابط الأسري، وينعزل الشخص عن المحيطين به ويفضل أن يبقى بصحبة أشخاص لا علاقة له بهم في الواقع لكنهم يتعارفون بلعبهم لبعض الألعاب أو أداء بعض الأنشطة المشتركة على الإنترنت.
فنرى في هذه الأيام أطفالا يعكفون على لُعْبَة معينة مدة ساعات طويلة لدرجة أنهم لا يفكرون في الطعام أو الشراب أو النوم؛ لدرجة تحدث معها بعض حالات الوفاة والمرض أحيانًا.
كأن هذه الألعاب تسلب الدماغ وتُسيطر عليه كليًا.
المتيافيرس خطر قادم ينبغي الحذر منه أشد الحذر! فقد لاحظ أطباء الصحة النفسية حدوث أعراض انسحاب من الحياة الحقيقية، ولاحظوا أيضًا حالات اكتئاب وهوس.
قد تَفقد حياتك في النهاية بسببه، ففي الصين انتحر طفل يبلغ من العمر 13 عامًا بسبب لعبة يطلق عليها “Warcraft” لعب عليها مدة 36 ساعة متواصلة.
وفي نيو مكسيكو تُوفيت طفلة عمرها 3 سنوات نتيجة الجفاف وسوء التغذية، بعد مداومتها على اللعب على الإنترنت مدة 15 ساعة.
كل ذلك يدق ناقوس خطر في آذان الجميع؛ ليفيقوا وينقذوا أطفالهم وأنفسهم من تلك الكارثة.
إذا كان هذا هو الحال ونحن لم تطأ أقدامنا بعد عالم “الميتافيرس” فكيف الحال حينئذ إذا أصبحنا محاطين به من كل جانب!.
2– العيش في العالم الافتراضي
بالطبع سيزيد إقبال البعض على العيش في العالم الافتراضي بعد الدخول إلى عالم الميتافيرس، مع كل هذا الكم من الإبهار فستكون المقاومة صعبة جدًا.
ولو وجد هؤلاء ما يُغنيهم عن الحاجات الأساسية للحياة من طعام وشراب داخل عالم الميتافيرس، لاستغنوا عن الحياة الحقيقة أصلا.
أنا لست أبالغ في هذا القول ولكنها الحقيقة الصادمة!.
هذه الحالات نُعاصرها الآن فما بالكم في المستقبل؟
وتلك الحالات من الناس يميلون إلى البقاء داخل العالم الافتراضي لأسباب منها:
- نقص الرعاية الأبوية، وإهمال الأطفال أمام الشاشات مدة طويلة.
- غياب الحب والدفء الأسري.
- ضعف التواصل بين أفراد الأسرة.
- عدم الرضا بالحال.
الميتافيرس بالنسبة للبعض هو الملاذ الآمن الذي يجد فيه المرء ذاته الضائعة. ويجد كل الرضا في البقاء داخل العالم الافتراضي.
والآن دعونا نستعرض سويًا مدى تأثير الميتافيرس في نفوس مستخدميه.
تأثير الميتافيرس في نفسية المستخدمين
إن أخطر تأثير على الصحة النفسية لهذا الطوفان الرقمي “الميتافيرس” هو تغيير نمط تفكير الأشخاص في الحياة.
وتحول الإدراك الحسي بالأشياء، فتصبح المشاعر الإنسانية والحياة الاجتماعية غريبة وغير معروفة.
وأكدت بعض الدراسات أن الاستخدام المفرط لألعاب الفيديو عبر الإنترنت يسبب المشاكل التالية:
- الانفصال عن الواقع، والهلاوس والهوس.
- الذهان.
- الهروب إلى العالم الافتراضي.
- الإدمان السلوكي وفقدان السيطرة على النفس.
- انخفاض التحصيل الدراسي.
- التوتر والقلق النفسي.
- الافتقار إلى الأصدقاء الحقيقين.
- نقص المهارات الاجتماعية.
- مشكلات نفسية وجسدية.
ويندرج كل ذلك تحت مُسمى ” اضطراب ألعاب الإنترنت ” الذي ينتشر بصورة أكبر بين الذكور عن الإناث.
وهو مرتبط بأصحاب السمات الشخصية التالية:
- تدني احترام الذات.
- انخفاض الكفاءة الذاتية.
- القلق والعدوان.
- الاكتئاب.
وإذا كانت كل هذه المشكلات تتعلق بألعاب الفيديو، فهي حتما ستكون أشد وأخطر مع انطلاق عالم الميتافيرس. الذي بدأت الدعاية تعمل لصالحه دون النظر إلى مدى تأثير ذلك المنتج على صحة
عقولنا وحياتنا ودون أن يخضع إلى أي اختبارات علمية تدرس تأثير الميتافيرس على الصحة النفسية للمستخدم.
ونحن هنا لا نناهض فكرة التطور والدعاية الرقمية، ولا نسعى لكبت الحرية الشخصية في استخدام الميتافيرس أو غيره من وسائل التواصل عبر الإنترنت، ولكننا قلقون بشأن هذه المستجدات التي قد تُغير حياة الأشخاص إلى ما لا تُحمد عقباه.
اقرأ أيضًا
التنويم المغناطيسي | كل ما تود معرفته عنه
تنمية مهارات الطفل ضرورة أم رَفَاهيَة
كيف أجعل طفلي استثنائيًا؟
مراجعة د.نسيبة تركي