ربما توترتِ لمجرد قراءتك عنوان هذا المقال. لطالما سمعتِ عن حمض الفوليك وأهميته للنساء في مرحلة الإنجاب وشهور الحمل الأولى. كم مرةٍ أخبركِ طبيبكِ بأهميته لنمو جنينك، وحمايته من التشوهات الخلقية؟ عذرًا عزيزتي إنها طفرة مثفر!
عزيزي القارئ، عزيزتي الأم، أحدثكم في هذا المقال عن حقيقة طفرة مثفر وعلاقتها بكثيرٍ من المشكلات الصحية. هيا بنا.
حقيقة صادمة!
ذكرت الإحصائيات أن عددًا كبيرًا من الأشخاص لا يستطيعون معالجة حمض الفوليك في أجسامهم، يمثلون حوالي 40% من سكان العالم.
ذكرت التقارير أن ما يتراوح بين 10% إلى 15% من القوقازيين وحوالي 25 % ممن هم من أصل لاتيني، لا تقوم أجسامهم بعمليات الاستقلاب أو الأيض (Metabolism) لحمض الفوليك، وهذه الحالة تدعى باختزال الميثيلين تتراهيدروفولات، أو ما يدعى بـ (MTHFR).
ما هو جين مثفر (MTHFR)؟
هو جين ينتج الإنزيم المسؤول عن تحويل حمض الفوليك الاصطناعي (الموجود في الفيتامينات التي توصف للنساء قبل الحمل وفي شهوره الأولى) إلى ميثيل حمض الفوليك (وهو المغذي الاستقلابي الذي يحمي ضد أمراض الـقناة العصبية للأجنة).
ما هو إنزيم مثفر(طفرة مثفر)؟
هو اختصار للمصطلح الكيميائي methylenetetrahydrofolate reductase – وهو إنزيم يقوم بالآتي:
- يفَعّل حمض الفوليك بإضافة مجموعة الميثيل له، فيطلق عليه الفوليت الفعال (Activated Folate) أو (5MTHF).
يعطي الفوليت الفعال مجموعة الميثيل الخاصة به الى مغذيات أخرى من خلال عملية تسمى المثيلة (Methylation).
- يصنع الميثيونين (methionine) من الهوموسيستين (homocysteine).
لذلك فإن أصحاب الطفرة الوراثية مثفر MTHFR لديهم زيادة في نسبة الهوموسيستين في الدم (hyperhomocysteinemia).
ماهي وظيفة الفوليت الفعال 5MTHF؟
يعد ضروريًا في إنشاء كل خلايا الجسم، لذا فإن عدم تفعيله بشكل جيد يحدث أضرارًا جسيمةً في الجسم.
يستخدم الفوليت الفعال مع مغذيات أخرى لتصنيع الناقلات العصبية neurotransmitters مثل: الإيبينيفرين، والنورإيبينيفرين، والدوبامين، والسيروتونين.
كذلك يستخدم لتصنيع الخلايا المناعية والهرمونات مثل الإستروجين، بالإضافة إلى إطلاق الطاقة ومعادلة السموم الكيميائية.
جديرٌ بالذكر أن جرعة الميثيل فولات أو الفولات الفعال المناسبة يوميًا، والموصي بها للبالغين هي 400 ميكروجرام.
تُنصح النساء البالغات اللواتي يخططن للحمل أو الحوامل منهن، بالحصول على 400 إلى 800 ميكروجرام يوميًا.
ماهي تأثيرات طفرة مثفر في الجسم؟
يعرض نقص هذا الإنزيم في جسم الإنسان إلى كثيرٍ من المشكلات الصحية مثل:
- ارتفاع الهوموسيستين في الدم.
- طفرة مثفر هل تسبب الجلطات؟ أظهرت الدراسات وجود علاقة بين طفرة مثفر وبين أمراض القلب، والجلطات، والسكتة الدماغية.
- الإجهاض المتكرر وعيوب القناة العصبية للأجنة: إذ إن أصحاب هذه الطفرة الجينية من النساء يعانين الإجهاض المتكرر لارتفاع تخثر الدم، وربما يعاني مواليدهن عيوبًا خلقيةً لعدم القدرة على تحويل حمض الفوليك الى ميثيل فوليت.
- تسمم الحمل.
- التعب المزمن.
- الاكتئاب والقلق والفصام والوسواس القهري.
- ألم الأعصاب.
- الشلل الرعاش.
- التوحد إذ ثبُت أن 98% من مصابي التوحد لديهم نقص في هذا الجين.
- السرطان.
- متلازمة داون.
ارتفاع هرمون الهوموسيستين في الدم
الهوموسيستين (Homocysteine) هو حمض أميني ينتج من تبادل (Metabolism) حمض أميني آخر، هو المثيونين (Methionine).
تتراوح نسبته في الدم بين 5 – 15 ميكرومول لليتر الواحد.
ترتفع مستوياته في الدم لخلل وراثي إنزيمي أو لنقص في الفيتامينات من عائلة “ب”. ربما تصل نسبة ارتفاعه في الدم إلى أكثر من 200 ميكرومول لليتر الواحد.
تبلغ معدلات انتشار هذا الخلل بنحو إصابة واحدة لكل 200,000 مولود جديد.
يعاني الأطفال المصابون بهذا الخلل من إصابات في الهيكل العظمي، وتخلف عقلي، وأمراض في الأوعية الدموية مثل مرض تصلب الشرايين.
يتعلق ارتفاع الهوموسيستين في الدم بعملية تحويل غير سليمة للهوموسيستين إلى المثيونين، ويحدث ذلك لسببين:
- طفرة مثفر، وهي شائعة جدًا.
- نقص في فيتامينات ب12، وب6، وحمض الفوليك، التي تساعد على تحويل الهوموسيستين إلى سيستين أو إلى ميثيونين.
أشارت عديد من الدراسات إلى أن ارتفاع مستوى الهوموسيستين ربما يُحدث عيوبًا مختلفة في الأوعية الدموية مثل:
- تصلب الشرايين.
- تخثر الأوعية الدموية.
- سد الشرايين المحيطية، مثل الشريان السباتي (carotid artery) في الرقبة، الأمر الذي قد يؤدي إلى السكتة الدماغية (Stroke).
كذلك أشارت بعض التقارير إلى أن ارتفاع مستوى الهوموسيستين ربما يؤدي إلى سدّ الأوعية الدموية في العين وإلحاق أضرار خطيرة بالنظر.
بالإضافة إلى الحديث عن وجود علاقة بين ارتفاع مستوى الهوموسيستين وبين الأضرار السامة للخلايا العصبية مثل:
- حالات الخرف (Dementia) وألزهايمر (Alzheimer’s Disease).
- إنجاب أطفال يعانون تشوهات خلقية لعيوب في الأنبوب العصبي.
كذلك الحديث عن العلاقة الطردية بين مستويات الهوموسيستين المرتفعة وبين أمراض القلب المختلفة.
يمكن تخفيض المستويات المرتفعة من الهوموسيستين بشكل فعال من خلال تناول الفيتامينات من المجموعة ب.
أنواع الطفرة الوراثية مثفر
تنقسم الطفرة الوراثية مثفر إلى قسمين :
1) heterozygous: أي أن المريض حصل على هذه الطفرة من أحد الوالدين (نسخة واحدة C677T)، وهي أقل ضررًا.
2) homozygous: أي أن المريض حصل على هذه الطفرة من كلا الوالدين (نسختان من C677T)، وهي الأكثر ضررًا.
الاختبار والتشخيص
هو فحص جيني يُجرى من خلال اختبار دم بسيط، إذا كان الشخص يعاني مستويات عالية من الهوموسيستين، أو تاريخ عائلي من مضاعفات القلب.
هناك اختبارات أخرى ربما تساعد على تأكيد الطفرة مثل: اختبارات المعادن الثقيلة، واختبارات البول، واختبارات مستوى هرمون الهوموسيستين.
العلاجات الطبيعية لطفرة مثفر
تتعلق طفرة مثفر مثلما ذكرنا بجين موروث، لذا لا توجد طريقة لعلاجها، لكن بعض التغييرات في نمط الحياة، إضافةً إلى العلاجات الطبيعية يمكن أن تساعد على التقليل من الأعراض والمضاعفات.
يُنصح أصحاب طفرة مثفر باتباع الآتي:
استهلاك الكثير من حمض الفوليك الطبيعي
بما في ذلك فيتامين ب 6 وفيتامين ب 12، دون تناول مكملات حمض الفوليك ما عدا الميثيل فولات أو حمض الفوليك المخمر.
حمض الفوليك في صورته التجارية المعتادة والمنتشر في معظمات مكملات حمض الفوليك للحوامل لا يستطيع الجسم التعامل معه والاستفادة منه في أصحاب طفرة مثفر وربما يتسبب لهم في عديد من المشكلات الصحية
بعكس الصورة الميثيلية لحمض الفوليك وهي الوحيدة المناسبة لأصحاب طفرة مثفر.
من أمثلة الأطعمة الغنية بحمض الفوليك:
- الفول والعدس.
- الخضروات الورقية مثل السبانخ.
- الهليون والبروكلي.
- الأفوكادو.
- البرتقال والمانجو.
ينبغي ملاحظة أن أصحاب طفرة مثفر أكثر عرضة لانخفاض الفيتامينات ذات الصلة بحمض الفوليك مثل فيتامين B6 وفيتامين B12.
لذا يُنصح بالحصول عليها من المكملات الغذائية، إلى جانب مصادر الطعام.
من أمثلة الأطعمة عالية فيتامين ب:
- لحوم الأعضاء مثل الكبد والطحال.
- المكسرات.
- الفاصوليا والخميرة الغذائية.
- منتجات الألبان الخام/ المخمرة.
علاج مشكلات الجهاز الهضمي
تشيع شكاوى الجهاز الهضمي بين الأشخاص الذين يعانون طفرة مثفر A1298C.
لذا يُنصح هؤلاء الأشخاص بالآتي:
- الحد من تناول الجلوتين، والسكر المضاف، والمواد الحافظة، واللحوم المصنعة، والزيوت المهدرجة.
- تناول الأطعمة التي تحتوي على البروبيوتيك، إذ تحتوي على البكتيريا النافعة التي تساعد على عملية الهضم.
- استهلاك الأطعمة المفيدة للأمعاء مثل: مرق العظام، والخضروات والفواكه، وبذور الكتان وبذور الشيا.
- استهلاك الدهون الصحية مثل: زيت جوز الهند، وزيت الزيتون، والمكسرات، والأفوكادو.
تقليل القلق والاكتئاب
تؤثر طفرة مثفر سلبًا على مستويات الناقلات العصبية مثل السيروتونين والتستوستيرون، والهرمونات مثل الإستروجين، لذلك يعاني أصحابها الاضطرابات النفسية مثل: القلق والاكتئاب والفصام والتعب المزمن.
لذا يُنصح هؤلاء بالآتي:
- تناول أحماض أوميجا 3 الدهنية إذ تساعد على تقليل الالتهابات.
- ممارسة التأمل.
- ممارسة الرياضة بانتظام: إذ تساعد على التوازن الهرموني وجودة النوم.
- استخدام الزيوت العطرية المهدئة مثل: البابونج والمرمرية والورد.
- عدم تناول الكحول.
حماية صحة القلب
أظهرت الدراسات أن مستويات الهوموسيستين ترتفع مع التقدم في العمر، والتدخين، وتناول بعض الأدوية، لذا يُنصح باتباع الآتي:
- تناول الأطعمة الغنية بالألياف.
- ممارسة الرياضة المنتظمة.
- تناول المكملات الغذائية التي تساعد على تحسين تدفق الدم وخفض الكوليسترول مثل: المغنيسيوم وأوميجا 3، ومضادات الأكسدة مثل: السيلينيوم، والفيتامينات ج، ود، وهـ.
مناقشة ما يخصك من أدوية مع طبيبك
تقلل بعض الأدوية مستويات حمض الفوليك المنخفضة بالفعل.
من أمثلة تلك الأدوية:
- المضادات الحيوية خاصةً المحتوية على السلفا مثل: سلفاميثوكسازول وتريميثوبريم.
- حبوب منع الحمل، والهرمونات البديلة.
- مضادات الاختلاج مثل الفينيتوين.
- مضادات الحموضة.
- مسكنات الألم غير الاستيرويدية NSAID.
- مضادات الاكتئاب.
- العلاجات الكيماوية
- خافضات الكوليسترول.
- الميثوتريكسات المستخدم لالتهاب المفاصل الروماتويدي.
- الميتفورمين المستخدم لداء السكري ومتلازمة تكيس المبايض.
- أوكسيد النيتروس المستخدم في طب الأسنان.
تعزيز إزالة السموم
يُنصح باتباع الآتي:
- تناول عصائر الخضروات الطازجة إذ أنها مصدر ممتاز لمضادات الأكسدة.
- شرب الكثير من الماء.
- ممارسة الرياضة بانتظام.
النوم
إذ تشيع اضطرابات النوم بين أصحاب هذه الطفرة.
لذا يُنصح بالآتي:
عمل روتين مريح قبل النوم.
استخدم الزيوت العطرية.
الابتعاد عن الأجهزة الإلكترونية.
هكذا عزيزي القارئ، عزيزتي الأم، استعرضنا في هذا المقال حقيقة طفرة مثفر، وما يمكن أن تسببه من أضرار بليغة لأجسامنا، وتعرفنا على أهمية حمض الفوليك العظيمة لأجسامنا، ودوره في حماية صغارنا من كثيرٍ من التشوهات الخلقية، وذكرنا نهايةً كيف نستطيع تجاوز أضرار هذه الطفرة إن وجدت في أجسامنا.
ختامًا، عجائب العِلم تكمن في أجسامنا، وكل يوم يمثل تحديًا جديدًا لعقولنا، وقدرتنا على فهم حقيقة الخلق، فلنتفكر ولنتدبر!
اقرأ أيضًا
مرض غوشيه | الأسباب والأنواع والعلاج
الدكتورة نجوى عبد المجيد مكتشفة الطفرات الوراثية
متلازمة تولوز لوتريك (Toulouse-Lautrec Syndrome)