هل تعرف شخصًا يعاني مرض السرطان؟
لا ريب أن بعضنا مر بلحظات عصيبة مع شخص يحبه، عندما شخصه الطبيب بذلك المرض، أو يعرف أشخاصًا مروا بتلك اللحظات.
فهل يقدم العلم حلًا لمعضلة (هل مَرَضي قابل للشفاء؟) أم يظل مرض السرطان لغزًا يحيرنا، ويحير أجيالًا من بعدنا!
في هذا المقال، سنستعرض عزيزي القارئ ما هو مرض السرطان؟ وكيف ينشأ؟ وأسبابه وأنواعه وأعراضه، كذلك تشخيصه وعلاجاته المتاحة، فأعرني انتباهك.
ما هو مرض السرطان؟
هو مصطلح شامل لمجموعة من التغيرات والعلامات والأعراض، التي تظهر نتيجة التكاثر والنمو غير المتحكم فيه لخلايا غير طبيعية (سرطانية).
عندما يفقد الجسم تحكمه في تكاثر ونمو تلك الخلايا، يتضاعف عددها أُسيًّا، ويُكوِّن بعضها كتلة تسمى ورمًا خبيثًا. وهنا يجدر الإشارة إلى أن الأورام في العموم تنقسم إلى:
- أورام حميدة: غير قادرة على الانتشار.
- أورام خبيثة: قادرة على الانتشار.
ولندرك كيف تنشأ الأورام الخبيثة، سنلقي عزيزي القارئ نظرة سريعة على دورة حياة الخلية الطبيعية.
دورة حياة الخلية الطبيعية
تمر الخلية الطبيعية بأربع مراحل متتابعة، لتنقسم إلى خليتين. هذه المراحل هي:
- مرحلة التحضير الأولى (G1): يزداد فيها حجم الخلية.
- التخليق (S): ينسخ فيها الحمض النووي (DNA).
- مرحلة التحضير الثانية (G2): تتحضر فيها الخلية للانقسام.
- الانقسام الميتوزي (M): تنقسم فيها الخلية إلى اثنتين متشابهتين.
وتتحكم مجموعة من البروتينات في تحفيز الخلية لعملية الانقسام، منها: عوامل النمو، ومستقبلات عوامل النمو، ومحولات الإشارات، وبروتينات النواة التنظيمية (عوامل النسخ).
خطوات تحفيز الخلية للانقسام
تصل الإشارة التحفيزية إلى نواة الخلية عبر أربع خطوات، هي:
- اتحاد عامل النمو بمُستقبِله على غشاء الخلية.
- نشاط المستقبِل مؤقتًا نتيجة الاتحاد.
- انتقال إشارة تحفيزية من المستقبِل الناشط إلى نواة الخلية.
- نسخ الجينات المسؤولة عن انقسام الخلية بواسطة عوامل النسخ.
وتنتقل الخلية من مرحلة إلى التالية، تمر بعدة نقاط فحص لتتحقق من خلوها من الأضرار أو الطفرات.
وفي حال اكتشاف أضرار أو طفرات، تدخل الخلية عملية الموت المبرمج (Apoptosis).
كيف تنشأ الأورام الخبيثة؟
إذا تجاوزت الخلية عملية الموت المبرمج لأي سبب، فإن الخلايا الناتجة من الانقسام تكون معيبة. وإذا حفزت لانقسامات أخرى، وفقد الجسم التحكم فيها، ينشأ مرض السرطان.
خصائص الخلايا السرطانية
وتختلف الخلايا الخبيثة أو السرطانية عن الطبيعية في عدة خصائص، هي:
- قدرتها على الانقسام الدائم.
- احتوائها على طفرات وأضرار.
- غير متخصصة، ولا تؤدي أي وظيفة.
- التأثير على الخلايا والبيئة المحيطة لضمان استمراريتها.
- الانتشار إلى أعضاء الجسم الأخرى.
وكلما ازداد عددها أو حجم الكتلة الناشئة عنها، ازداد تضرر الجسم.
أسباب الإصابة بمرض السرطان
الأورام الخبيثة هي أورام جينية المنبع، وتتعدد الأسباب التي تؤدي إليها، فمنها:
أسباب من داخل الجسم
تنشأ بعض الأورام عن خلل داخلي، مثل:
- تراكم الطفرات بالتقدم في العمر.
- الطفرات المتوارثة من أحد الوالدين أو كلاهما.
ولكن تختلف استجابة الأشخاص لتلك الطفرات، فقد توجد لدى البعض ولا ينشأ مرض السرطان!
أسباب من خارج الجسم
تحدث بعض العوامل الخارجية طفرات جينية كذلك، منها:
- العادات الشخصية، مثل: التدخين، والتعرض المستمر للشمس.
- بعض الأمراض، مثل: التهاب القولون التقرحي، والإيدز.
- العوامل البيئية، مثل: التعرض للإشعاع، والكيماويات المُسرطِنة.
وتختلف قابلية الإصابة بالسرطان من شخص لآخر، حسب طبيعة جسده، ومناعته، ومعدل تعرضه لمسببات المرض.
أنواع مرض السرطان
تختلف طبيعة مرض السرطان من عضو لآخر، ومن نسيج لآخر، ذلك أن خلايا كل عضو ونسيج متخصصة في وظائفها، وأي طفرة في أحدها، تنتج عنها خلايا بخصائص مختلفة.
تصنيف مرض السرطان حسب العضو
وتسمى فيه الأورام الخبيثة نسبة إلى العضو الذي تنشأ فيه، مثال:
- سرطان الثدي.
- الفم، والرئة.
- المعدة، والقولون.
- سرطان المخ.
بالإضافة إلى سرطان الرحم، والبروستاتا، وغيره من الأعضاء.
تصنيف السرطان حسب النسيج
أما حسب النسيج الذي يظهر فيه مرض السرطان، فيصنف إلى:
- كارسينوما (Carcinoma): ينشأ في الجلد أو الخلايا المبطنة للأعضاء.
- ساركوما (Sarcoma): يبدأ في الأنسجة الضامة، مثل: العظام، والغضاريف، والأوعية الدموية.
- لوكيميا أو ابيضاض الدَّم (Leukemia): ينمو في النخاع الشوكي المسؤول عن تخليق خلايا الدَّم.
- لمفوما (Lymphoma): ينشأ في الخلايا الليمفاوية المسؤولة عن المناعة بشكل رئيس.
- الورم النِقْوِيّ المتعدد (Multiple Myeloma): ينمو في خلايا البلازما.
بالإضافة إلى الورم الميلانيني (Melanoma)، والحبل الشوكي، وغيره من الأنسجة.
أعراض السرطان
كما ذكرنا، فالأورام السرطانية تنمو وتتكاثر دون سيطرة، ويزداد حجمها تباعًا، فتضغط على الأعضاء المحيطة، والأوعية الدموية، والأعصاب، مسببة أعراضًا متفاوتة، منها:
- الإجهاد والتعب.
- كتلة محسوسة تحت الجلد.
- فقدان الوزن أو اكتسابه بشكل ملاحظ.
- الكحة المستمرة أو صعوبة التنفس.
- صعوبة البلع.
- آلام مستمرة وغير مفسرة بالعضلات أو المفاصل.
- الحمى المستمرة وغير المفسرة.
- تغير في طبيعة الأمعاء أو المثانة.
- النزيف غير المفسر.
قد تجتمع هذه الأعراض أو بعض منها، وربما تنتُج عن مرض آخر، استشارة الطبيب الأفضل دائمًا.
تشخيص مرض السرطان
شهد علم الأورام تطورات سريعة في مجال التشخيص، وأصبح اكتشاف أنواع عدّة من السرطان في مراحلها الأولى ممكنًا.
يُجري الطبيب واحدًا أو أكثر من الفحوص التالية:
الفحص الجسدي
يتحسس الطبيب فيه أماكن معينة لاكتشاف تكتلات أو تضخم عضو معين، مع ملاحظة التغيرات غير الطبيعية في لون الجلد أو ملمسه.
التحاليل المعملية
مثل تحليل البول، وصورة الدَّم. ففي مرض اللوكيميا كمثال، يظهر تحليل عدُّ الدَّم الكامل عددًا غير طبيعي لخلايا الدَّم البيضاء.
الفحوص التصويرية (بالأشعة)
وذلك لفحص العظام والأعضاء الداخلية دون جراحات، مثل: الأشعة المقطعية، والرنين المغناطيسي، والموجات فوق الصوتية، والأشعة السينية.
العينة الحية
يفحص الطبيب نسيجًا من الورم تحت الميكروسكوب ليكتشف طبيعته، وتختلف طريقة أخذ العينة حسب نوع الورم ومكانه.
لا يحدد تشخيص مرض السرطان نوعه فقط، بل في أي مرحلة هو كذلك:
- المرحلة الأولى: الورم في مراحله الأولى، صغير الحجم.
- الثانية: الورم أكبر قليلًا، وقد يمتد إلى بعض أنسجة العضو، لكنه لم ينتشر بعد.
- الثالثة: ينتشر فيها الورم إلى الأعضاء القريبة.
- الرابعة: يمتد الورم إلى الأعضاء البعيدة.
وتبعًا للمرحلة والنوع، يضع الطبيب خطة العلاج.
علاجات الأورام السرطانية
لا بد من تحديد المسميات في علم الأورام بدقة، فلفظة شفاء، تختلف تمامًا عن لفظة علاج. وعلى الرغم من أن الشفاء هو رجاء كل مريض بالسرطان، إلا إنه كسراب جميل، يبتعد كلما اقتربت!
أهداف العلاج
بعد انتهاء التشخيص، يحدد الطبيب الهدف من العلاج أولًا، ثم الخطة التي تشتمل غالبًا على أكثر من خطوة، ودواء. ويساعد هذا على اختيار أكثر العلاجات ملاءمة للمريض.
قد يهدف العلاج إلى:
- الشفاء: معناه التخلص التام من مرض السرطان. وبالرغم من ندرة حدوثه، إلا إنه سجلت حالات شفاء فعلًا.
- المعالجة الأولية: معناها إزالة أو قتل كل الخلايا الخبيثة.
- المعالجة المساعدة: تهدف إلى قتل أي خلايا سرطانية محتملة الوجود بعد المعالجة الأولية.
- التلطيف وتسكين الألم: يهدف إلى تخفيف الأعراض الجانبية للعلاجات، كذلك علامات وأعراض السرطان.
خيارات العلاج
تتعدد خيارات العلاج حسب الهدف منه، وتشهد علاجات مرض السرطان تطورًا غير مسبوق للتغلب على ذلك الوحش الشرس، منها:
- الجراحة: تستخدم لإزالة الورم، أو أكبر قدر منه.
- العلاج الكيماوي: غالبًا ما تستخدم بروتوكولات تحتوي أكثر من دواء.
- العلاج الإشعاعي: يستخدم كبديل للجراحة في بعض الحالات، وقد يأتي الإشعاع من جهاز خارجي، أو يوضع داخل الجسد.
- زراعة النخاع العظمي: تُتيح استخدام العلاج الكيماوي بجرعات أكبر للقضاء على الورم.
- العلاج المناعي: يحفز خلايا المناعة لتتعرف إلى الخلايا السرطانية وتقضي عليها.
- أوالعلاج الهرموني: يُزيل أو يثبط الهرمونات التي تعتمد عليها بعض أنواع السرطان، مثل: سرطان الثدي، والبروستاتا.
- والعلاج المُوَجه: يستهدف خللًا معينًا داخل الخلية السرطانية وحدها، فيقضي عليها.
- التجارب السريرية: الخِيار المفضل لدى متخصصي الأورام في حال توفرها.
ويستخدم الطبيب غالبًا أكثر من خِيار -من السابق ذكرهم- لعلاج النوع الواحد من السرطان.
نصائح للوقاية من مرض السرطان
إليك عزيزي القارئ بعض النصائح التي تحد من خطر إصابتك بالسرطان:
- تجنب التدخين.
- ممارسة الرياضة يوميًا.
- الالتزام بالغذاء الصحي الغني بمضادات الأكسدة.
- الحد من التعرض المباشر لأشعة الشمس.
- تجنب السمنة.
- إجراء الفحوص الدورية.
إلى جانب الحد من التعرض للكيماويات المُسرطِنة، والتطعيم ضد الفيروسات المسببة له إن وُجد.
ختامًا عزيزي القارئ، لا يوجد مستحيل. ولن يكف العلم حتى يمدنا بعلاج شافي لمرض السرطان. حتى ذلك الوقت، عليك باجتناب مسبباته، والعمل بنصائح الوقاية منه، حتى تتمتع بصحة أفضل.