طب عامطبي

داء شاغاس (Chagas Disease) | داء المثقبيات الأمريكي

داء شاغاس واحد من الأمراض المدارية الاستوائية، فهل سبق أن سمعت به؟

تخيل أنك انطلقت في رحلة إلى أمريكا اللاتينية، وتقرر -بعد سفر شاق- أن تنام قليلًا، ثم تستيقظ وقد أصابك البَقُّ بقُبُلاته!

سنتعرف في هذا المقال -عزيزي القارئ- إلى مرض شاغاس، وأسبابه وأعراضه وتشخيصه. سنتعرف إلى البق وعلاقته بالمرض كذلك، ومن ثم علاج الداء ومكافحته.

ما المقصود بداء شاغاس؟

هو نوع من الأمراض حيوانية المنشأ. يُسمى “داء المثقبيات الأمريكي” و”مرض النوم الأمريكي” و”التريبانوسوما الأمريكي” أيضًا.

إن مرض النوم الأمريكي تسببه لدغات نوع من البَقِّ يُسمى الترياتومين (Triatomine bugs). تنشط هذه الحشرات ليلًا والناس نيام، وتلدغ الأماكن المكشوفة من الجلد -الوجه خاصةً- لذا يُسميه بعضهم البق المُقَبِّل (Kissing bugs).

هل لدغات البق هي السبب الرئيس في المرض؟

لا، البق وسيط في نقل العدوى فقط. إن مرض النوم الأمريكي من الأمراض التي تسببها الطلائعيات أو الأوليات المعروفة باسم التريبانوسوما كروزي (Trypanosoma cruzi)، وهي السبب الرئيس في الإصابة بالمرض. لا تدع المصطلحات تربكك.

دورة حياة التريبانوسوما

يعيش طلائعي التريبانوسوما في الحيوانات البرية كعائل أساسي. ينتقل الطلائعي إلى الإنسان أو الحيوانات الأليفة عندما يلدغ بق الترياتومين الحيوانات البرية ليتغذى على دمها، ثم يلدغ أيًا منهم. تنقسم دورة حياة التريبانوسوما بين عائلَيْن، لذا فهي تعيش جزءًا منها في البق، وجزءًا منها في الإنسان أو الحيوان. 

بعد أن يتغذى الترياتومين على دم الحيوانات البرية، يصبح ناقلًا للعدوى. إذا تغذى على دم إنسان بعدها، فإنه يُخرج فضلاته -المحتوية على الطلائعي- على جلد الشخص. تدخل الطلائعيات إلى جسم الإنسان خلال الأغشية المخاطية أو الجلد المثقوب أو المجروح.

سُمي “داء المثقبيات الأمريكي” نتيجة ثَقب البق جلد الإنسان لامتصاص الدم. وأُطلق عليه “داء النوم الأمريكي” لأن الترياتومين ينشط ليلًا فقط والناس نيام. أما سبب تسميته “داء شاغاس” فنسبةً إلى مكتشف المرض، الطبيب البرازيلي كارلوس شاغاس (Carlos Chagas)، عام 1909 ميلادية. يحتفل العالم في الرابع عشر من إبريل باليوم العالمي لداء شاغاس.

كيف يصاب الشخص بمرض شاغاس؟

تستوطن حشرات البق المناطق الفقيرة، وتسكن الثقوب الموجودة في الجدران المصنوعة من الطين أو القش أو جذوع النخل. تتسلل هذه الحشرات ليلًا، وتهاجم الأماكن المكشوفة من جلد الإنسان النائم. تُخرج الحشرات فضلاتها -المحتوية على الطلائعيات في طورها المعدي- على الجلد، بعد امتصاصها كمية الدم التي تكفيها.

عندما يدعك الشخص مكان اللدغة -عقب استيقاظه- تنتقل الطلائعيات خلال أي من:

  • ثقب اللدغة.
  • الغشاء المخاطي للأنف أو الفم.
  • جفن العين.

 إلى داخل جسم الإنسان مسببةً العدوى. تذكر أن حشرات البق لا بد أن تحتوي على الطلائعيات لتسبب المرض، فليس كل البق حاملًا للتريبانوسوما.

 ما هي علامات مرض النوم الأمريكي وأعراضه؟

ينقسم المرض إلى مرحلتين: حادة ومزمنة، وإذا لم يعالج قد يؤدي إلى مضاعفات تهدد حياة المصاب.

المرحلة الحادة

تحدث عقب الإصابة فورًا، وتستمر لعدة أسابيع أو شهور. يوجد الطلائعي في الدورة الدموية خلال تلك المرحلة بأعداد كبيرة، لكن تتفاوت حدة أعراضها. قد لا تظهر أي منها أو تكون خفيفة، مثل:

نادرًا ما يتسبب الطلائعي في التهاب عضلة القلب أو الدماغ أو البطانة المحيطة به خلال هذه المرحلة.

المرحلة المزمنة

تتميز بعدم ظهور أي أعراض في الأغلب، بالإضافة إلى عدم وجود الطلائعي في الدورة الدموية أو قلة عدده. يُسميها بعضهم “المرحلة غير محددة الزمن“، ذلك أن بعض المصابين لا يعانون أية أعراض طول حياتهم. الطريف في الأمر أن بعض الأشخاص يعيشون حياتهم، ولا يدرون أنهم أصيبوا بالمرض من الأساس!

أما الأعراض التي ربما تظهر خلال تلك المرحلة، فهي:

  • عدم انتظام ضربات القلب.
  • صعوبة البلع.
  • ألم المعدة أو الإمساك.

يجب استشارة الطبيب فور ظهور هذه الأعراض، خاصة إذا سبق لك السفر إلى إحدى دول أمريكا اللاتينية. قد تظهر هذه الأعراض بعد 20 عامًا من الإصابة الفعلية.

ما هي المضاعفات الخطرة لداء شاغاس؟

إذا لم يشخص الداء ولم تعالج الأعراض، يتطور إلى مضاعفات خطرة، هي:

  • قصور عضلة القلب، ومنها إلى السكتة القلبية والموت المفاجئ.
  • ارتخاء المريء أو “توسع المريء” الذي يؤدي إلى صعوبة البلع.
  • ارتخاء القولون أو “توسع القولون” الذي يؤدي إلى ألم المعدة والإمساك.

الأشخاص الذين يعانون ضعف المناعة -مثل: مرضى السرطان والإيدز- أكثر عرضة للإصابة بمضاعفات المرض.

ما وسائل تشخيص التريبانوسوما الأمريكي؟

يُجري الطبيب فحصًا جسديًا، ويسأل المريض عن الأعراض والعوامل التي قد تصيبه بداء شاغاس. إذا كان الشخص مصابًا بعلامات وأعراض المرض، سيطلب الطبيب إجراء تحاليل الدم. تؤكد التحاليل الإصابة بطلائعيات التريبانوسوما كروزي من خلال:

  • وجود الطلائعيات في عينة الدم المفحوصة بالميكروسكوب.
  • وجود الأجسام المضادة للطلائعي في عينة الدم.

بعد تأكيد الإصابة، سيطلب الطبيب المزيد من الفحوص ليحدد هل تطور المرض إلى مضاعفاته. هذه الفحوص هي:

  • مخطط رسم القلب (Electrocardiogram).
  • الأشعة السينية على الصدر.
  • مخطط صدى القلب (Echocardiogram).
  • الأشعة السينية على البطن.
  • منظار للمريء.

ومنها يحدد الطبيب شدة المرض وخطة العلاج.

كيف يعالج داء شاغاس؟

تعتمد آلية العلاج على قتل الطلائعيات في المقام الأول، وذلك خلال المرحلة الحادة. تستخدم مادتي بينزنيدازول (Benznidazole)، ونيفورتيموكس (Nifurtimox) لهذا الغرض، وكلتاهما فعالتان في إبادة الطلائعيات خلال مراحل المرض الأولى. 

تقل كفاءة المادتين بطول مدة الإصابة، وظهور الأعراض المزمنة. يجب تجنب إعطاء هذه الأودية لمرضى الفشل الكلوي والكبد، والمرأة الحامل.

يعتمد العلاج على مداواة العلامات والأعراض المصاحبة للداء كذلك. ربما يصف الطبيب علاجًا لكل من:

  • المضاعفات المتعلقة بالقلب: تستخدم الأودية، الجراحة، منظم ضربات القلب وقد تصل إلى زراعة قلب.
  • مضاعفات الجهاز الهضمي: مثل تغيير النظام الغذائي، واستخدام الأدوية أو الجراحة.

لذا يستدعي علاج داء شاغاس أحيانًا إحالة المرضى إلى متخصصي القلب، أو الجهاز الهضمي، أو الأمراض المعدية.

هل داء المثقبيات الأمريكي مُعدٍ؟

لا، المرض غير معد من إنسان إلى آخر بالتعامل المباشر، لكن قد ينتقل خلال:

  • نقل الدم.
  • زراعة الأعضاء.
  • الأم الحامل إلى الجنين.
  • الأكل غير المطهو جيدًا، والمحتوي على فضلات البق.
  • معامل التحاليل.

تقدر منظمة الصحة العالمية عدد المصابين بداء شاغاس ما بين 6 إلى 7 ملايين شخص، يتمركزون في دول أمريكا اللاتينية. قد نجد أفرادًا مصابين بالمرض في دول أخرى، وذلك نتيجة توسع حركة السكان ووسائل النقل.

كيف نكافح المرض؟ وما وسائل الوقاية منه؟

بدأت دول أمريكا اللاتينية -المكسيك وأمريكا الوسطى وأمريكا الجنوبية- باتخاذ الإجراءات الوقائية للحد من انتشار المرض، إذ:

  • طورت من أماكن المعيشة.
  • استخدمت مبيدات الحشرات للحد من انتشار البق.
  • فرضت فحص الدم من المتبرعين.
  • كذلك فرضت فحص الأعضاء والأنسجة والخلايا قبل زراعتها.
  • وفرت العلاج لداء شاغاس، للأطفال والنساء في سن الحمل خاصة -قبل الحمل.
  • كذلك وفرت فحص وتشخيص المواليد والأطفال من أمهات مصابين ولم يتلقوا العلاج.

 تُقدَّر تكلفة علاج مضاعفات مرض التريبانوسوما الأمريكي بأكثر من 80% من تكلفة وسائل مكافحة البق، طبقًا لموقع منظمة الصحة العالمية. 

أما إن كنت مسافرًا إلى إحدى هذه الدول

فهناك وسائل وقاية شخصية تجنبك قبلات البق، مثل:

  • الابتعاد عن المساكن المصنوعة من الطين أو القش أو جذوع النخل.
  • استخدام الناموسيات المعالجة بمبيدات الحشرات.
  • رش مبيدات الحشرات في أرجاء المسكن.
  • التأكد من نظافة الطعام خلال إعداده، ونقله وتخزينه واستهلاكه.
  • استعمال طارد للحشرات على المناطق المكشوفة من الجلد.

لا يوجد لقاح مضاد للتريبانوسوما حتى الآن، ولا يمكن التخلص نهائيًا منها أيضًا، إذ إن العائل الرئيس لها هو الحيوانات البرية. التزام وسائل الوقاية هو الحل الأفضل.

عزيزي القارئ، إذا واتتك فرصة السفر إلى إحدى دول أمريكا اللاتينية، فلا يعوقك داء شاغاس. التزم معايير الوقاية والسلامة فقط، وستستمتع بكل لحظة. رحلة موفقة.

اقرأ أيضًا

مرض السل الرئوي | أسبابه وطرق علاجه

الهربس | هل هو مرض مزمن أم يمكن العلاج منه؟

مرض الجمرة الخبيثة | أعراضه وكيفية تجنب الإصابة به

المصدر
cdc.govmayoclinicchagas-diseasewho

د.إيمان البقلاوي

صيدلانية وكاتبة محتوى... أؤمن أن الكتابة سبيل الخلود، لذا أنتقي كلماتي ومعلوماتي بعناية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى