بعد أن تزوجت سلمى من زميلها في العمل -الدكتور محمد- رزقهما الله بمولود على هيئة ملاك صغير، لم تعلم سلمى أن إنجابها لهذا الملاك سيعرضها لمواجهة اكتئاب ما بعد الولادة.
تُرى هل تتغلب سلمى على اكتئابها؟
هذا ما سنتطرق إليه في السطور القادمة…
ليالٍ من بكاء الصغير
الزمان: ليلة ممطرة من شتاء قاسٍ، الساعة الرابعة فجرًا.
المكان: شقتي التي لا أذكر أني غادرتها منذ عدة أيام أو أشهر.
(ماذا حلّ بكِ يا سلمى؟)
– أُحدث نفسي التي صارت كشخص غريب عليّ، تُرى هل هذا اكتئاب ما بعد الولادة الذي سمعت عنه سابقًا أم أنه الشتاء وما يفعله بقلوبنا الهشة؟
هل أبكي مجددًا؟ أشعر أني جائعة أم أنني فقط…
هنا قطع دوامات أفكار سلمى صريخ رضيعها، لتجده استيقظ للمرة السادسة في نفس الليلة باكيًا ولا تعلم ماذا تفعل كي تُهدئ من روعه.
احتَضَنَتْه، حاولَتْ إرضاعه رفض.
تأَكدَتْ من حرارته وجدَتْها طبيعية، حَمَلَتْه ذهابًا وإيابًا على أمل أن ينام الصغير دون جدوى.
هنا استيقظ زوجها محمد وقال لها: عذرًا يا سلمى، لكن أنتِ أدرى الناس بطبيعة عملي، غدًا سأجري عملية جراحية لحالة مستعصية، لا بد أن أنام جيدًا.
آثرت سلمى الصمت، تعلم أن محمدًا على حق لكن جل ما شعرت به في هذه اللحظة أنها مشتاقة للوقوف في غرفة العمليات، وممارسة مهنة الطب مرة أخرى.
سألت نفسها: متى سأعود إلى حياتي؟
تستيقظ سلمى في اليوم التالي…
الزمان: الرابعة عصرًا، لم تتعود يومًا على التأخر في النوم هكذا.
مضى يومها عاديًا، تكرارًا لما سبقه من الأيام.
في السابعة مساءً وصل محمد مُنهكًا، دار بينهما حديث فاتر ثم انصرفت.
مواجهة أعراض اكتئاب ما بعد الولادة
(لا أعلم إلى متى ستظل سلمى هكذا؟)
حدث محمد نفسه وتساءل: أين حبيبتي؟ حتى لم تسألني كيف كان يومي!
ذهب محمد إلى زوجته، حاول أن يتحدث إليها أو يفهم ما بها، وفي غضون ثوانٍ قليلة فوجئ بسيل من الدموع وكلمة واحدة تتكرر(مش قادرة أكمل)، وتفصلها أبيات مختلفة من الشكوى.
بخبرته الحياتية وثقافته الطبية أدرك محمد أن زوجته تعاني اكتئاب ما بعد الولادة.
رآها تحتاج إلى مساعدة عاجلة، فقرر ألا يتخاذل عن مساعدة زوجته.
على الفور اتصل محمد بزميله عمر لثقته في كفائته كطبيب نفسي.
استمر حوارهما نصف الساعة وانتهى بالاتفاق على البَدْء في حضور جلسات جماعية داعمة لسلمى وأقرانها، ممن غلبهم اكتئاب ما بعد الولادة.
رحبت سلمى بهذه الفكرة واتفقا أن يكون غدًا أول أيام جلساتها العلاجية.
رحلة العلاج
في الصباح الباكر اتصلت سلمى بأختها، وطلبت منها الاعتناء بصغيرها اليوم لمدة ساعتين فقط.
منذ وصولها إلى مكان الجَلسة، شعرت أن الوقت قد حان لترمي بثقل همومها، أرادت فقط أن تتحدث وتجد من يساندها.
دخلت سلمى الغرفة المخصصة للجلسة، لتجد مثيلاتها ممن تعانين أعراض اكتئاب ما بعد الولادة.
حين جاء دورها في الحديث، تنهدت ثم قالت:
أعشق صغيري لكن لا أطيق هذا الوجه الشاحب الذي يظهر لي كلما نظرت في المرآة.
لم أصل يومًا لهذا الوزن، ولم أرَ مثل تلك الهالات في أصعب أيامي، ببساطة أريد أن أنام.
أضافت سلمى: طالما تميزت بالتفوق والنجاح، أما الآن أشعر أنني لا شيء. أفتقر إلى إنجازاتي القديمة، وأيامي المزدحمة.
كنت أنا الداعم الأول لمن حيرته الخيارات وعجز عن اتخاذ قراره، اليوم احتاج للمشورة في أبسط الأشياء.
والله أعشق صغيري، لكن أحيانًا أشعر أني لا أريده ولا أريد حياتي كلها، مما يشعرني بالذنب تجاه ابني.
استمع الطبيب لحديث سلمى وأقرانها، وشجعهم على تفريغ طاقاتهم السلبية.
شعرت سلمى ويكأن حملًا ثقيلًا انزاح من على صدرها بعد الجَلسة.
لم تكن تعلم أن الحديث عما تشعر به هو الخطوة الأولى في علاج اكتئاب ما بعد الولادة.
الأمل في العلاج
تكررت الجلسات، ومع الوقت غلب الجانب المرح على شكوى الأمهات الجدد، شعرت سلمى أنها ليست بمفردها وأن ما تعانيه طبيعي لهذه المرحلة.
تيقن محمد أن مسئوليته طبيبًا لا يمكن أن تأخذه من مسئوليته أبًا وزوجًا.
فقرر أن يعطي سلمى وقتها الخاص لتفعل ما تشاء.
تقرأ، تخرج، تتريض أو أي شيء خارج دائرة الصغير ومسئولياته.
عشقت سلمى هذه الساعات التي كانت تختلي فيها بنفسها، كانت تُعينها على مزيد من العطاء لزوجها وابنها.
تأكدت أنها مرحلة مؤقتة من اعتزال الحياة العملية، وفقد أجزاء من حياتها الاجتماعية في سبيل زرع أروع نبتة في العالم.
إلى كل أمهات العالم، أتوجه لكم بخالص الشكر والتحية، تأكدوا إن تغيرت طبيعة حياتكم اليوم فما هو إلا تمهيد لذرية صالحة وسند دائم لا يميل.
لمزيدٍ من المعلومات اقرأ أيضًا
التغيرات النفسية بعد الولادة | كفاكِ تعباً يا أمي!