د.بسمة عبد المنعم
يا إلهي! ها هي تلك البقع التي تظهر كل مرة بعد الانتهاء من الاستحمام، إنها معاناتي مع حساسية الماء.
لقد أخبرني الطبيب عنها، ونصحني ببعض الأدوية وطرق الوقاية؛ حتى أنعم بقدر من الراحة لممارسة أنشطتي اليومية.
للمزيد عن مفهوم حساسية الماء، وأعراضها، وأسبابها، وطرق العلاج، رافقوني خلال سطور هذا المقال.
لكن ليتسنى لنا الحديث عن حساسية الماء؛ لنتعرف أولًا إلى مفهوم الحساسية.
ما هي الحساسية؟
هي استجابة الجهاز المناعي لمادة تعد غير ضارة لمعظم الناس، لكنها ربما تزعج آخرين أو تهدد حياتهم.
تتعدد أنواع الحساسية، نذكر منها:
حساسية الطعام – حساسية الدواء – حساسية الحيوانات – حساسية لسعة الحشرات – حساسية الجلد.
لكننا سنخص بالذكر في مقالنا أحد أنواع الحساسية الغريبة التي تسبب تحسس الجلد، وهي حساسية الماء.
ما هي حساسية الماء؟
هي حالة نادرة مزمنة من الشرى الفيزيائي، ويُطلق عليها أيضًا الشرية المائية أو الأرتيكاريا المائية (Water allergy/ Water urticaria). ربما لم تذكر التقارير أكثر من 100 حالة مصابة بهذا النوع من الحساسية.
تحدث الشرية المائية عند ملامسة الماء للجلد مسببًا ظهور الشرى “خلايا النحل” (Hives)، ومصحوبًا بالحكة والحرقة.
تتعدد مصادر المياه المسببة للأرتيكاريا المائية، نذكر منها:
- المطر.
- الثلج.
- العرق.
- الدموع.
تعَد أكثر شيوعًا في الإناث، وغالبًا ما تبدأ الأعراض عند سن البلوغ أو بعده.
لكن تشير بعض الدراسات إلى وجود بعض حالات الأطفال.
أبلغت بعض التقارير كذلك عن وجود تاريخ عائلي في عديد من الحالات.
الأسباب وعوامل الخطر
ما يزال السبب الكامن لحدوث الشرية المائية غير واضح، ومع ذلك فقد اقترح العلماء بعض الفرضيات مثل:
- لا يسبب الماء في حد ذاته الحساسية، لكن ربما يحوي مادة مسببة للحساسية مذابة به، تحفز رد فعل مناعي مثل: الكلور.
- افترض آخرون وجود تفاعل بين الماء ومادة ما موجودة على أو داخل الجلد؛ مما يحفز إطلاق الهيستامين.
أعراض حساسية الماء
عادةً ما تكون مساحة خلايا النحل الموجودة على الجلد المصاحبة للأرتيكاريا المائية صغيرة في صورة جُرَيّبات مركزية مميزة، وتبلغ نحو 1 إلى 3 ملم.
تظهر في صورة بقع حمراء أو ربما بلون الجلد تسمى انتبارات (Wheals)، وذات حواف محددة وواضحة.
يكون هذا الطفح الجلدي مؤلمًا ومصحوبًا بالحكة.
على الرغم من إمكانية حدوثه في أي مكان من الجسم، غير أنه يشيع ظهوره في الرقبة والجذع العلوي والذراعين.
يتلاشى الطفح الجلدي بمجرد إزالة مصدر الماء في غضون 30 إلى 60 دقيقة.
من المتوقع بدء ظهور الأعراض في غضون 15 دقيقة، ومنها:
- حُمامي أو احمرار الجلد.
- الشعور بالحرقة.
- كدمات.
- التهابات.
- آفات.
نادرًا ما تظهر أعراض أخرى مثل: الصداع، وضيق التنفس، والأزيز، والإغماء.
ربما يتطور الأمر في الحالات شديدة الحدة ليصبح أكثر إيلامًا؛ من جراء وجود وذمة وعائية وتورم أنسجة تحت الجلد.
التشخيص
يعتمد التشخيص على:
- الفحص الجسدي للأعراض المميزة.
- التاريخ المرضي.
- إجراء اختبار تحدي الماء (Water challenge test).
ربما تجرى بعض الاختبارات؛ لاستبعاد الأنواع الأخرى من الحساسية.
كيف يُجرى اختبار تحدي الماء؟
توضع قطعة قماش مبللة بالماء بدرجة حرارة 35 على الجزء العلوي من الجسم؛ لأنه غالبًا ما يتعرض هذا الجزء للماء أكثر من باقي الجسم.
يسجل الطبيب أية أعراض تظهر في هذا الاختبار، ومن ثمّ مقارنتها بنظيرتها في مرض الحكة المائية (Aquagenic pruritis).
إذ تسبب الحكة المائية الحكة والتهيج لكن دون وجود احمرار، أو تكون خلايا.
يجب إخبار المريض بعدم تناول أي مضاد للهيستامين لعدة أيام قبل الاختبار.
من المهم أيضًا ألا يكون الماء باردًا أو ساخنًا؛ كي لا يؤثر على دِقَّة النتائج.
لا يُنصح بإجراء هذا الاختبار لمن سجلوا تاريخًا مرضيًّا يدل على معاناتهم أعراض خطرة.
والآن -عزيزي القارئ- أكاد أسمعك تتساءل، هل يتحسس هؤلاء المرضى عند شرب الماء أيضًا أم لا؟
سأجيبك عبر السطور القادمة، هيا بنا.
حساسية من شرب الماء
في كثير من الأحيان، يستطيع الأشخاص المصابون بالأرتيكاريا المائية شرب الماء دون ظهور أي رد فعل تحسسي؛ إذ إن الماء في هذه الحالة لم يلمس الجلد.
لكن سجلت حالة لشخص يبلغ من العمر 18 عامًا معانيًا التورُّم في الشفتين، وداخل الفم بعد شرب الماء.
كذلك يمكن أن يتسبب شرب الماء في بعض الحالات الشديدة في ظهور أعراض، مثل:
- طفح جلدي حول الفم.
- صعوبة البلع.
- أزيز.
- ضيق التنفس.
علاج الأرتيكاريا المائية
تشح المعلومات بشأن العلاجات الفعالة؛ إذ لم تُجْر دراسات شاملة بشأن العلاج.
تكمن مشكلة عدم وجود علاج أيضًا في صعوبة تجنب مصدر الحساسية (الماء)؛ إذ يعد هذا أمرًا صعب التطبيق عمليًّا.
بيد أنه استُخدمت العلاجات التالية منفردة أو مع بعضها البعض (مع مراعاة اختلاف النتائج عند التطبيق)؛ بقصد التحكم في الأعراض، ومنها:
مضادات الهيستامين (Antihistamine)
يوصي به الطبيب كخيار أولي لجميع أنواع الحساسية.
الكريمات والمواد الموضعية
تعمل حاجزًا بين الجلد والماء مثل: المنتجات التي تحتوى على الفازلين؛ إذ تستخدم قبل التعرض للماء لمنع تغلغل الماء في الجلد.
العلاج بالضوء فوق البنفسجي
يسمى أيضًا العلاج الضوئي (Phototherapy) مثل: العلاج بالسورالين، والأشعة فوق البنفسجية (يسيطر بدرجة بسيطة على الأعراض).
أوماليزوماب (Omalizumab)
يُحقن هذا الدواء -وهو دواء مناعي- عادةً في الأشخاص المصابين بالربو (شهد نجاحًا في عدد قليل من الأشخاص).
الأدرينالين (Adrenaline)
إذا شملت الأعراض مشكلات تنفسية، فقد يلزم استخدام الأدرينالين والمعروف باسم (EpiPens) لتقليل التورم والشرى.
تجدر الإشارة إلى أنه ينبغي استشارة الطبيب قبل بدء أي من العلاجات المذكورة سابقا؛ نظرًا لعدم وجود أدلة كافية على سلامتها وفاعليتها.
هل يمكن علاج حساسية الماء بالأعشاب؟
يفضّل معظم الأشخاص العلاجات المنزلية لعلاج خلايا النحل على تلقي الرعاية الطبية.
تشمل العلاجات المنزلية ما يلي:
الاستحمام بمحلول مضاد للحكة
يُستخدم خليط من دقيق الشوفان، وصودا الخبز لتهدئة الجلد وتخفيف التهيج.
كذلك يمكن إضافة بندق الساحرة (Witch hazel) كعلاج إضافي.
الصبار
يساعد الصبار على تلطيف الالتهاب الناتج عن خلايا النحل نظرًا لخصائصه العلاجية، ولكن يُنصح بإجراء اختبار للجلد قبل استخدامه.
المكملات الغذائية
تشير بعض البحوث أن المكملات يمكن أن تسهم في تخفيف الأعراض، مثل:
- فيتامين ج ود وب 12.
- زيت السمك.
- كيرسيتين (Quercetin).
ها أنت ذا -عزيزي القارئ- تبحث عن جواب مرةً أخرى للعلاقة بين الاستحمام والحساسية.
هل توجد علاقة بين الاستحمام والحساسية؟
رغم أن العلاج ربما يقلل حدة الأعراض، بيد أنه يتوجب كذلك تقليل عدد مرات الاستحمام ومدته.
كذلك ربما يلجأ المصابون بحساسية الماء إلى استخدام منظفات تحتوي على الكحول بدلًا من الاستحمام.
هل تؤثر درجة ملوحة الماء في حدوث الأرتيكاريا المائية؟
الجواب ببساطة أنه لا علاقة لدرجة حرارة الماء وحموضته أو قلويته بالأمر.
لكن ربما تسبب المياه المالحة في حدوث رد فعل تحسسي لدى فئة قليلة من الأشخاص.
كذلك يمكن أن يتسبب الماء البارد في حدوث نوع آخر من الحساسية، هو حساسية الماء البارد.
ما حساسية الماء البارد؟
ينشأ هذا النوع من الحساسية عند التعرض للبرودة مثل: الطقس أو الماء البارد؛ إذ يطْلق عليه “شرى البرد” (Cold urticaria).
تظهر الأعراض عادةً في غضون 5 إلى 10 دقائق، وتستمر مدة ساعة إلى ساعتين، وتتراوح ما بين الخفيفة إلى الحادة.
تختلف أعراض شرى البرد عن الأرتيكاريا المائية بكونها مصحوبة بانتفاخ المنطقة المعرضة للبرد، التي يزداد وضعها سوءًا عند تدفئتها.
كذلك يمكن أن تزداد حدة الأعراض متمثلةً في أعراض تنفسية أو وذمة وعائية أو تأق؛ مما قد يهدد حياة الشخص.
ربما تحفز الأمراض المعدية، أو لدغ الحشرات، أو بعض الأدوية حدوث شرى البرد.
يصيب الشباب في أغلب الأحيان أكثر من غيرهم.
حساسية الماء والأطفال
لا تصيب الشرية المائية الأطفال في أغلب الأحيان.
لكن سُجلت حالة لطفل يبلغ من العمر 3 سنوات، أُصيب بالشرى الحاد بعد 5 دقائق من التعرض لماء الصنبور.
لذا ربما يتخوّف الأطفال المصابون من الاستحمام.
هل يمكن تجنب حساسية الماء؟
تجنب ملامسة الماء بصورة قاطعة أمرٌ محال، لكن يمكن فعل هذا قدر المستطاع، مثل:
- التعرض للماء لفترات وجيزة.
- ارتداء ملابس مناسبة تمتص الرطوبة.
- تجنب الخروج في الأيام الممطرة، أو ممارسة الأنشطة التي تسبب العرق.
- ربما تحتاج أيضًا لتغيير نظامك الغذائي؛ لتجنب الأطعمة التي تحتوي على نسبة عالية من الماء.
في ختام القول ..
لا يخفى علينا أن الإصابة بحساسية الماء حقًّا أمر مرهق، فكيف تتحول الماء -أساس الحياة على الأرض- إلى مصدر القلق والتوتر!
لكن الجانب المشرق أنه نوع نادر من الحساسية، لكن حال شعرت -عزيزي القارئ- بأي من الأعراض السابق ذكرها، فلا تتردد بزيارة الطبيب حتى يهدأ بالك.
دمتم سالمين!
اقرأ أيضًا
حساسية الألبان عند الرضع | أعراضها وعلاجها
6 طرق لعلاج حساسية الجيوب الأنفية طبيعيًا
حساسية الجلد عند الأطفال | أسبابها وطرق علاجها
مراجعة عامة د. إسراء صبحي
مراجع طبي د. أروى سمير
التحرير: د.أحمد فوزي