ما زلت أتذكرها جيدًا كانت أول حالة تعاني فقدان الذاكرة الانفصالي أعمل على علاجها.
زارتني يومًا مع زوجها لتلقي العلاج، بعد تبادل التحية بدأ الزوج في الكلام وكانت هي في حالة صدمة وحزن كبيرين.
تُدعى هدى وكانت هذه هي القصة وراء زيارتها لي ذلك اليوم، أخبرني الزوج أنها خرجت من البيت بصحبة ابنهما الصغير منذ بضعة شهور ولم يرجع أيٌ منهما مدة شهرين، ثم عثر عليها أحد الأصدقاء بأحد المطاعم حيث كانت تعمل نادلة، لكنه حين تحدث معها فوجئ بأنها لا تستطيع التعرف عليه.
ماذا يعني فقدان الذاكرة الانفصالي؟
فهم من حديثها أنها تعرَّضت لحادثة إذ صدمتها سيارة وهي تعبر الطريق فقدت على إثرها الذاكرة، إذ لم تكن تتذكر أي شيء بعدما فاقت حتى اسمها. بدا على وجهها السعادة لأنها عثرت على أهلها وسوف تستطيع الرجوع إليهم مرة أخرى حتى صدمها سؤاله عن يحيى، لم تفهم السؤال وسألته: “من يكون يحيى؟”، فقال: “ابنك يحيى لقد خرج معكِ يومها ولم يعد هو الآخر”
أجابت في ذهول: “لكني كنت وحدي عند وقوع الحادثة!”
طلبت التحدث معها على انفراد فتركنا الزوج. تحدثنا وسألتها عن تفاصيل كثيرة حتى أستطيع رسم خطة العلاج التي تحتاج إليها وكان من ضمنها بعض جلسات التنويم المغناطيسي وذلك حتى أجعلها في حالة من الانفتاح الذهني الذي أستطيع فيه الغوص إلى أعماق ذكرياتها وتذكر بعض الأحداث التي أخفتها في عقلها الباطن ولم تعد تتذكرها.
خلال إحدى جلسات التنويم المغناطيسي صرخت هدى قائلة: “مات ابني أمام عيني يا دكتور وعندما كنت أركض باكية في الطريق صدمتني السيارة وعندما أفقت كنت لا أتذكر أي شيء مما حدث”.
هنا فهمت أنها إحدى حالات الاضطرابات الانشقاقية يطلق عليها “فقدان الذاكرة الانفصالي”.
أعراض فقدان الذاكرة الانفصالي
تساءل الزوج باندهاش: ماذا تقصد يا دكتور؟ وكيف عرفت؟ أجبته: عندما تعرضت زوجتك لصدمة قوية أثر ذلك على صحتها النفسية، فقرر حينها المخ دفن هذه الأحداث في العقل الباطن حتى لا تستطيع استعادتها لحمايتها من العواقب النفسية التي قد تحدث لها.
قاطعني الزوج متسائلًا: “هل هذا يجعلها تنسى كل شيء يا دكتور حتى اسمها؟”، أجبته قائلًا: “قد يكون فقدان الذاكرة جزئيًا لبعض المعلومات أو الأحداث في فترة معينة، أو فقدانًا عامًا لكل المعلومات والهوية وماضيها كله، وهذا ما حدث مع “هدى” وذلك بسبب عدم قدرة عقلها على استيعاب فقدها لصغيرها.
تشخيص فقدان الذاكرة الانفصالي
“وكيف استطعت تشخيص حالتها يا دكتور؟” قالها الزوج، أجبته قائلًا: “لقد اتبعت عدة خطوات لتشخيص حالة هدى”:
- أولها فحص هدى بدنيًا جيدًا لاستبعاد وجود أي أمراض جسدية مسببة لفقدان الذاكرة.
- ثم فحصها نفسيًا لمعرفة ماهية المشاعر والأحاسيس التي تشعر بها والأفكار التي تراودها.
- بالإضافة إلى استخدام تصنيف الأعراض طبقًا ل DSM-5
علاج فقدان الذاكرة الانفصالي
حدَّق الزوج قليلًا في الفراغ ثم راح يسألني: “برأيك ما هو العلاج المناسب لها يا دكتور؟”
أجبته قائلًا: “بالتطرق إلى حالة هدى فقد وضعت الخطة العلاجية لها معتمدًا على عدة أركان”
- بدايةً من العلاج النفسي بالحديث معها خلال جلسات العلاج ومساعدتها على تذكر الأحداث التي لم تعد تتذكرها.
- واللجوء لبعض جلسات التنويم الإيحائي لمساعدتها على الوصول إلى حالة من الانفتاح الذهني تجعلها تتذكر بعض الأشياء التي قد يخفيها عنها عقلها الباطن بسبب الصدمة التي مرت بها.
- أما الآن فأعتقد أنها سوف تكون بحاجة إلى بعض أدوية مضادات الاكتئاب لمساعدتها على علاج الأعراض التي تمر بها
حاولت تهدئة هدى وأخبرتها ألا يد لها في وفاة صغيرها ويجب ألا تشعر بكل هذا الذنب الذي أدى لإصابتها بفقدان الذاكرة الانفصالي، وأخبرتها أنها تحتاج إلى بعض الجلسات العلاجية حتى تتخطى حالة الاكتئاب التي تشعر بها بعدما تذكرت تفاصيل الحادثة التي مرت بها.
لمزيد من المعلومات اقرأ
الاضطرابات الانشقاقية (الاضطرابات التفارقية) والانفصال عن النفس
اقرأ أيضًا في القسم القصصي
خلل القراءة | الديسليكسيا المحرجة!
متلازمة الجثة المتحركة (Cotard delusion) | أين اختفت أعضائي؟!
اضطراب الوسواس القهري | شكوك تؤدي إلى الجنون!