السر في مضادات الأكسدة!
“درهم وقاية خير من قنطار علاج” مقولة جدتي المفضلة، في صغري، دأبت تنصحني وإخوتي بتناول البرتقال والليمون، وحبذا لو ابتلعنا الثوم المُبَهَّر على الريق… وغيرها من عادات الأكل التي توارثتها.
كبرت… وعلمت -من خلال تخصصي- السر الكائن في عادات جدتي، وسبب وجهها المشع بالحياة، وصحتها النابضة بالحيوية والنشاط.
في هذا المقال سأصحبك عزيزي القارئ في رحلة لنتعرف إلى مضادات الأكسدة، وآليات عملها، وفوائدها للصحة فتابع معي.
مضادات الأكسدة (Antioxidants)
هي مركبات -طبيعية أو مُصنعة- تُعادل الجذور (أو الشوارد أو الشقوق) الحرة الناتجة من العمليات البيولوجية المختلفة داخل أجسامنا.
تتسبب تلك الجذور -حين يزيد معدلها عن معدل معالجة الجسم لها- في حدوث الإجهاد التأكسدي وهو ما يعود سلبًا على صحتنا.
هل صدمتك المصطلحات العلمية؟ حسنًا، سنتناول كل مصطلح باستفاضة.
الجذور الحرة
تُعد الذرة، أصغر وحدة بنائية للمادة. تتكون من نواة محاطة بمدارات، وتحتوي على عدد معين من الإلكترونات.
عند فقدها إلكترونًا، تتحول إلى ذرة مثارة تسمى جذرًا (أو شقًا أو شاردًا) حًرا، وينطبق الأمر على المركبات الأكبر.
تبحث الجذور الحرة عن مركبات تنتزع منها إلكترونًا لتستقر، وقد يُثار المركب الآخر وتتوالى التفاعلات.
يتفاعل الشارد الحر مع العديد من الجزيئات الحيوية، مثل:
- الحمض النووي.
- الميتوكوندريا.
- البروتينات.
- الدهون.
تتلف الجزيئات المشاركة في التفاعل غالبًا، فيما يعرف بالإجهاد التأكسدي. في حال عدم احتوائه، قد يتسبب في العديد من الأمراض على المدى البعيد، مثل:
- أمراض القلب والأوعية الدموية، مثل: ارتفاع ضغط الدم، وتصلب الشرايين.
- أمراض الجهاز العصبي، مثل: ألزهايمر، والشلل الرعاش.
- اضطرابات المناعة الذاتية والالتهابية، مثل: التهاب المفاصل الروماتيزمي، والسرطان.
- مرض السكري.
- إعتام عدسة العين، وضعف البصر مع التقدم في العمر.
- التغيرات المصاحبة للتقدم في السن، مثل: فقد مرونة البشرة، وظهور التجاعيد، والشعر الرمادي.
كإجراء وقائي، يفرز الجسم مركبات تستطيع إعطاء إلكترون دون فقد استقرارها، تسمى مضادات التأكسد أو مصائد الجذور الحرة.
ولكن انتبه فلكل قاعدة استثناء، بعض الشقوق الحرة تفيد الجسم، فمثلا: عندما تهاجمنا الجراثيم، فإن إنتاج الشقوق هو إحدى آليات دفاعنا، للتغلب عليها.
أسباب ارتفاع معدل الشقوق الحرة
الشوارد الحرة ليست بالأمر المفزع إذا تغلبت عليها دفاعات الجسم، لكن هناك أسباب تزيد من معدل إنتاجها.
أسباب من داخل الجسم، مثل:
- الالتهابات.
- التدريبات العنيفة.
- العدوى الجرثومية.
أسباب من خارج الجسم، مثل:
- الأطعمة المصنعة والمقلية.
- التدخين.
- التعرض للمواد الكيماوية السامة، مثل: مبيدات الحشرات، وملوثات الهواء.
- التعرض للأشعة الضارة، مثل: الأشعة فوق البنفسجية.
لا تقلق عزيزي القارئ، فمصائد الشوارد ليست داخل الجسم فقط، فالبيئة من حولك غنية بأنواعها، ومصادرها.
أنواع مضادات الأكسدة
تتعدد أساليب الطبيعة في الدفاع عن نفسها، لذلك تتنوع المركبات المضادة للأكسدة من نبات لآخر، ومن حيوان لآخر، ومن أشهر المركبات التي لا يُخلِّقها الجسم، ويحصل عليها خلال طعامه:
- فيتامين (أ) و(ج) و(هـ).
- بيتا كاروتين وزياكسانثين.
- السيلينيوم والماغنيسيوم.
أما أشهر المركبات التي يُخلِّقها الجسم فهي الجلوتاثيون ومشتقاته.
آلية عمل المركبات المضادة للأكسدة
تختلف المركبات المضادة للأكسدة في آلية عملها، تبعًا لطبيعة الشارد والوسط الموجودة فيه وتنوعت آليات العمل كالتالي:
- تمنع تكون الشارد وتعطي نواتج مستقرة كيميائيا.
- تمنح الشارد إلكترونًا فيستقر.
- تتفاعل مع الجزئيات التي تعرضت للشارد وتُصلح الأضرار.
- تستطيع إنتاج بعض مضادات الأكسدة لتلائم تفاعلات بعينها.
حتى الآن لم تكتشف كل آليات عمل مضادات الأكسدة.
مصادر مضادات الأكسدة
تتميز المصادر الغنية بالمركبات المضادة للأكسدة بألوانها الخلابة، وإليك قائمة بأشهرها:
مصادر نباتية
الفاكهة والخضراوات من أغني المصادر، فمن الفاكهة:
- الموالح: كالبرتقال واليوسفي والليمون.
- العنب بجميع ألوانه.
- التوت بجميع ألوانه.
- الفراولة والرمان والبطيخ والكيوي.
من الخضراوات:
- البنجر والجزر والبطاطا والطماطم.
- الفلفل بألوانه والكرنب الأحمر.
- السبانخ والبروكلي والثوم.
كذلك لا ننسى:
- المكسرات، خاصة عين الجمل، وبذور دوار الشمس.
- الحبوب الكاملة: كالشوفان، والشعير، والقمح الكامل.
- البقوليات بأنواعها.
- الشاي الأخضر.
- الشيكولاتة الداكنة.
وكذلك البهارات من المصادر الغنية بالمركبات المضادة للأكسدة، خاصة الزنجبيل، والكركم، والقرنفل، والقرفة.
مصادر حيوانية
تتعدد المصادر الحيوانية الغنية بالمضادات الطبيعية، من أهمها:
- منتجات الحليب والبيض.
- الكبدة وحساء الدجاج.
- سمك التونة والسلمون.
ينصح علماء التغذية بأن تحتوي وجبتك على الخضر والفاكهة بنسبة 50% واللحوم بنسبة 25%، وكذلك بالتنويع بين الأصناف، حتى يحصل جسمك على الأنواع المختلفة من مضادات الأكسدة.
استخدامات المركبات المضادة للأكسدة
لا تقتصر أهمية المركبات المضادة للأكسدة داخل الجسم فقط، فاكتشاف فوائدها حقق ثورة في مختلف المجالات الصناعية، مثل:
- مواد حافظة في الأطعمة المعلبة.
- تمنع تآكل المعادن.
- تمنع تصلب المطاط.
- بلمرة الوقود في محركات الاحتراق الداخلي.
هناك العديد من المجالات لتطويع استخدام المركبات المضادة للأكسدة فيها.
مضادات الأكسدة المصنعة
تهافت العلماء لتصنيع المركبات المضادة للأكسدة بعد اكتشاف فوائدها للصحة، وطرحت العديد من المكملات الغذائية المحتوية عليها.
لكن هل يستوي الطبيعي والمُصنَّع؟
أُجريت العديد من التجارب المعملية والإكلينيكية لاختبار مدى فاعلية المكملات الغذائية المحتوية على مضادات التأكسد.
التجارب المعملية
أثبتت مضادات الأكسدة المصنعة كفاءة في التغلب على الشوارد الحرة في الاختبارات المعملية على الأنسجة الحية وبعض حيوانات التجارب؛ إذ عادلت الشوارد وحمت الخلايا من الضرر.
التجارب الإكلينيكية
تضاربت نتائج التجارب على البشر. فبعض المضادات لم تثبت أي كفاءة في الحماية من الأمراض، وبعضها أثر بصورة هامشية، وبعضها أتى بنتائج عكسية!
في دراستين منفصلتين، دلت النتائج أن تناول مكملات فيتامين (هـ) قد يُزيد معدل نمو وانتشار سرطان الرئة.
دراسة أخرى على فيتامين (هـ) و(ج)، لم تثبت أن أيهما يحمى من خطر التعرض لأمراض القلب والأوعية الدموية، أو السرطان، أو إعتام عدسة العين.
بل فيتامين هـ قد يُزيد خطر التعرض لسكتة دماغية نزيفة.
لماذا تعمل مضادات الأكسدة الطبيعية بشكل أفضل؟
اقترح العلماء عدة نظريات لمحاولة الإجابة على ذلك السؤال، منها:
- تناول الخضر والفاكهة المحتوية على المضادات الطبيعية، يؤثر إيجابًا لاحتوائها على عناصر غذائية أخرى معها، أو لأسلوب الحياة ذاته.
- يختلف تأثير الجرعات العالية للمضادات المصنعة عن تأثير الجرعات البسيطة الموجودة في المواد الغذائية الطبيعية.
- اختلاف التركيب الكيميائي للمضادات المصنعة، عن التركيب الكيميائي للمضادات الطبيعية، فيتامين (هـ) مثلًا، له ثمانية مركبات.
- لكل مرض مضاد الأكسدة الخاص به وقد لا تحتوي المكملات على المضاد المطلوب.
- عدم اكتشاف العِلاقة الكاملة لتأثير الشوارد الحرة على الصحة. وما زلنا بحاجة لمزيد من الأبحاث والنظريات التي يحاول العلماء إثبات صحتها.
هل المركبات المضادة للأكسدة علاج؟
لم يثبت تأثير مضادات الأكسدة كعلاج للأمراض، والوقاية أساس استخدامها.
ينصح العلماء ببعض الأساليب الحياتية التي تساعد مع مضادات التأكسد على التمتع بحياة صحية، منها:
- ممارسة التمارين اليومية المناسبة للعمر وصحة الفرد.
- التبديل بين أصناف الخضر والفاكهة في الوجبات وبينها.
- أخذ قسط كافٍ من النوم.
- الابتعاد عن مصادر القلق والتوتر.
- تجنب التدخين.
الأساليب الحياتية تؤثر أيضًا على معدل إنتاج الشوارد.
ختامًا عزيزي القارئ
الوقاية خير من العلاج فحافظ على صحتك بتناول مضادات الأكسدة من مصادرها الطبيعية، وممارسة الأساليب الصحية الصحيحة؛ لتتمتع بحياة أفضل.