انتابت أحد أطفال الأسرة نوبات من ارتفاع درجات الحرارة وآلام في المعدة، وأحيانًا تعب شديد في المفاصل وخاصة الركبة، بل وصل الأمر إلى عدم قدرة الطفل على الوقوف!
شُخصت هذه الحالة عدة تشخيصات خاطئة، لكن أحد الأطباء توصل أخيرًا إلى التشخيص الصحيح، وهو “حمى البحر المتوسط”.
فما حمى البحر المتوسط؟
وما أعراضها؟
وكيف يمكننا التعايش معها؟
أسئلة كثيرة تدور في أذهان مرضى حمى البحر المتوسط والمحيطين بهم، نرجو أن نجيب عنها في هذه المقالة.
حمى البحر المتوسط
حمى البحر الأبيض المتوسط العائلية (familial Mediterranean Fever) أو (FMF)، المعروفة أيضًا باسم “التهاب العضلات الانتيابي”، مرض وراثي متنحٍ يصيب سكان البحر الأبيض المتوسط عادةً.
يتسم بنوبات متكررة من آلام في البطن أو الصدر أو المفاصل، تكون هذه النوبات مصحوبة بحمى وأحيانًا بطفح جلدي أو صداع.
وفي بعض الأحيان، يحدث التهاب في أجزاء أخرى من الجسم، مثل: القلب، أو الأغشية المحيطة بالمخ، أو النخاع الشوكي، أو الخصيتين.
معدل الإصابة بحمى البحر المتوسط واحد من كل سبعة تقريبًا.
عادةً، تحدث النوبة الأولى من مرض حمى البحر الأبيض المتوسط العائلية في سنوات الطفولة أو المراهقة.
تستمر النوبات من 12 إلى 72 ساعة، ويمكن أن تختلف في شدتها.
عامةً، تحدث النوبات مرة واحدة في الشهر، وللنساء المصابات في سن الإنجاب تتوافق النوبات مع الدورة الشهرية أو الإباضة غالبًا.
يؤدي تجاهل تناول العلاج إلى تراكم رواسب البروتين في أعضاء الجسم وأنسجته (الداء النشواني أو Amyloidosis)، خاصة في الكلى، مما يؤدي إلى فشل كلوي.
أسباب حمى البحر المتوسط
حمى البحر المتوسط مرض وراثي ينتج عن انتقال جين (MEFV)، الذي يكون متنحيًا لدى كلا الوالدين أو سائدًا لدى أحد الوالدين ومتنحيًا لدى الآخر، إذ عادة ما تُورث المتغيرات المسببة للأمراض من أحد الوالدين أو كليهما.
يؤثر التغيير الجيني على وظيفة بروتين موجود في الجهاز المناعي يسمى “بيرين”، الذي يوجد في خلايا الدم البيضاء.
يساعد هذا البروتين على تنظيم تصدي الجسم للإصابة بالالتهاب، ويحدث الالتهاب عندما يرسل الجهاز المناعي الإشارات وخلايا الدم البيضاء إلى موقع الإصابة أو المرض، لمحاربة الميكروبات وتسهيل إصلاح الأنسجة.
عند اكتمال هذه العملية، يوقف الجسم الاستجابة للالتهاب لمنع تلف خلاياه وأنسجته.
تعمل التغيرات في جين (MEFV) على تقليل نشاط بروتين البيرين، أو منع تكوينه بطريقة صحيحة؛ مما يعطل السيطرة على أي التهاب، فينتج عن ذلك حمى وألم في البطن أو الصدر أو المفاصل.
الأعراض
تختلف علامات نوبات حمى البحر الأبيض المتوسط وأعراضها، ولكنها يمكن أن تشمل:
- حمى.
- ألم في الصدر، مما يجعل التنفس بعمق أمرًا صعبًا.
- تورم مؤلم في المفاصل، عادة في الركبتين والكاحلين والوركين.
- طفح جلدي أحمر على الساقين، خاصة تحت الركبة.
- آلام العضلات.
- ظهور أورام في كيس الصفن عند اللمس.
تزول النوبات تلقائيًّا بعد أيام قليلة، ومن ثم يشعر الفرد المصاب باستعادة صحته.
تكون الفترات الخالية من الأعراض قصيرة، إذ تستمر بضعة أيام فقط؛ أو طويلة، تصل إلى عدة سنوات.
التشخيص
يُشخَّص مرض حمى البحر المتوسط في مرحلة الطفولة عادةً.
أهم الاختبارات المُستخدمة في تشخيص حمى البحر الأبيض المتوسط:
١. الفحص الجسدي:
يسأل الطبيب المريض عن الأعراض ويفحص جسده، ليجمع المزيد من المعلومات.
كما يتابع الطبيب مدى استجابة الشخص للعلاج بعقار الكولشيسين (Colchicine).
٢. مراجعة التاريخ الطبي لعائلتك:
يزيد التاريخ العائلي للإصابة بحمى البحر الأبيض المتوسط احتمالية إصابتك بهذه الحالة.
٣. الفحوصات المخبرية:
تجرى الفحوصات المخبرية في فترة النوبة، وتُظهر اختبارات الدم والبول علامات تشير إلى وجود التهاب في الجسم، من بين هذه العلامات:
- ازدياد نسبة خلايا الدم البيضاء التي تقاوم الالتهابات.
- زيادة معدل ترسيب كرات الدم الحمراء (ESR)، وهو مؤشر على وجود استجابة للالتهاب.
- زيادة الفيبرينوجين (Fibrinogen) في البلازما، مما يساعد على وقف النزيف.
- ارتفاع هبتوغلوبين الدم (Haptoglobin)، مما يشير إلى تدمير خلايا الدم الحمراء، وهو أمر شائع في الأمراض الروماتيزمية، مثل: حمى المتوسط الفطرية.
- بروتين C التفاعلي (CRP) المرتفع، وهو نوع خاص من البروتين ينتجه الكبد، ولا يظهر إلا في أثناء نوبات الالتهاب الحادة.
- ارتفاع نسبة الألبومين (Albumin) في البول، الذي قد يكون أحد أعراض أمراض الكلى.
٤. الاختبارات الجينية:
تحدد الاختبارات الجينية إذا ما كان جين (MEFV) يحتوي على تغير جيني مرتبط بحمى البحر المتوسط (FMF).
لكن الاختبارات الجينية ليست متقدمة بما يكفي لاختبار كل تغير جيني مرتبط بحمى البحر الأبيض المتوسط، لذلك يوجد احتمال لظهور نتائج سلبية غير صحيحة.
لهذا السبب، لا يَعتمد مقدمو الرعاية الصحية على الاختبارات الجينية وحدها في تشخيص مرض حمى البحر المتوسط.
أسباب النوبات
ليس من الواضح تمامًا ما الذي يسبب النوبات، لكنها تحدث مع عوامل مختلفة، مثل:
- التوتر النفسي.
- الحيض في النساء.
- التعرض للبرد.
- الإجهاد البدني.
- استهلاك الأطعمة الغنية بالدهون.
أنواع حمى البحر المتوسط
تنقسم حمى البحر الأبيض المتوسط العائلية (FMF) إلى نوعين:
النوع الأول
يتميز النوع الأول بنوبات قصيرة متكررة من الالتهاب، بما في ذلك الحمى والتهاب الغشاء المفصلي، ونادرًا ما يحدث التهاب التامور أو التهاب السحايا.
النوع الثاني
يتسم النوع الثاني من حمى البحر المتوسط بالداء النشواني، وهو أول مظهر سريري لحمى البحر المتوسط لدى الفرد الذي لا تظهر عليه أعراض.
يعد الداء النشواني أخطر مضاعفات حمى البحر المتوسط، وهو السبب الرئيس للفشل الكلوي، إذا تُرك دون علاج.
المضاعفات
يمكن أن يتعرض المريض لحدوث مضاعفات إذا لم يعالج من حمى البحر الأبيض المتوسط بطريقة صحيحة، إذ تؤدي الالتهابات إلى مضاعفات خطرة، مثل:
الداء النشواني:
في أثناء نوبات حمى البحر المتوسط يُنتج جسمك بروتينًا يسمى أميلويد (أ)، وهو بروتين يخلو منه الجسم عادةً.
يؤدي تراكم هذا البروتين إلى حدوث التهاب، مما يؤدي إلى تلف الأعضاء.
تلف الكلى:
يتسبب الداء النشواني الناتج عن حمى البحر المتوسط في تلف الكلى، مما يسبب حدوث ما يعرف بـ”المتلازمة الكلوية”.
تحدث المتلازمة الكلوية عندما تتلف أنظمة ترشيح الكلى (الكبيبات)، ويظهر لدى الأشخاص المصابين بالمتلازمة الكلوية كميات كبيرة من البروتين في البول.
يمكن أن تؤدي المتلازمة الكلوية إلى حدوث جلطات دموية في الكلى (تجلط الأوردة الكلوية) أو الفشل الكلوي.
ألم المفاصل:
التهاب المفاصل شائع عند الأشخاص المصابين بحمى البحر المتوسط، وأكثر المفاصل إصابة: الركبتان والكاحلان والوركان.
العقم:
يؤثر الالتهاب الذي تسببه حمى البحر المتوسط العائلية في الأعضاء التناسلية، مسببة العقم.
مضاعفات أخرى:
ربما تصل هذه الالتهابات إلى القلب أو الرئتين أو الطحال أو الدماغ أيضًا.
العلاج
الهدف من علاج حمى البحر الأبيض المتوسط العائلية (FMF) تخفيف الأعراض والسيطرة عليها، ومنع النوبات والمضاعفات الناجمة عن الالتهاب، لأنه لا يوجد علاج نهائي لهذه الحالة إلى الآن.
الكولشيسين:
يعد الكولشيسين دواءً فعالًا للغاية في منع نوبات حمى البحر الأبيض المتوسط العائلية (FMF)، ومنع تطور الداء النشواني.
يؤخذ الكولشيسين يوميًا بجرعات مختلفة، حسب تعليمات الطبيب المعالج.
جرعة الكولشيسين للبالغين:
- 1.2 ملجم إلى 2.4 ملجم عن طريق الفم يوميًا، تؤخذ مرة واحدة أو مقسمة على مرتين في اليوم.
- يجب زيادة الجرعات اليومية بمقدار 0.3 ملجم، حسب الحاجة والتحمل، للسيطرة على المرض.
- إذا ظهرت آثار جانبية، يجب إنقاص الجرعة اليومية بمقدار 0.3 ملجم.
- الجرعة اليومية القصوى: 2.4 ملجم.
- نحتاج إلى تعديل الجرعة بناءً على تحليل وظائف الكلى والكبد.
الجرعة المناسبة للأطفال من 4 إلى 6 سنوات:
- 0.3 إلى 1.8 ملجم، تؤخذ مرة واحدة أو مقسمة على مرتين في اليوم.
الجرعة المناسبة للأطفال من 6 إلى 12 سنة:
- 0.9 إلى 1.8 ملجم، تؤخذ مرة واحدة أو مقسمة على مرتين في اليوم.
- يجب زيادة الجرعات اليومية بمقدار 0.3 ملجم، حسب الحاجة والتحمل، للسيطرة على المرض.
- إذا ظهرت آثار جانبية، يجب إنقاص الجرعة اليومية بمقدار 0.3 ملجم.
يشمل علاج النوبة الحادة:
١. مضادات الالتهاب غير الستيرويدية، لتخفيف الحمى ونوبات الالتهاب.
٢. مضادات الالتهاب الأخرى، مثل: الباراسيتامول (Paracetamol) أو الديبيرون (Dipyrone)، لتسكين الآلام.
حمى البحر المتوسط والحمل
من المحتمل أن يتعرض بعض المريضات اللواتي يعانين حمى البحر المتوسط لمشكلات في أثناء الحمل والولادة.
تكون فترة الحمل لدى بعض النساء خالية من النوبات، بينما تتعرض الأخريات لهجمات شديدة.
أحيانًا يؤدي التهاب الصفاق (التهاب البريتون) الحاد الناتج عن حمى المتوسط في النساء الحوامل إلى ولادة مبكرة (الخدج)، أو تقلصات الرحم، أو الإجهاض؛ لذا من الضروري السيطرة على نوبات حمى البحر المتوسط من خلال العلاج بالكولشيسين في أثناء الحمل.
حمى البحر المتوسط وكوفيد 19
تتشابه أعراض حمى البحر الأبيض المتوسط العائلية (FMF) وCOVID-19؛ فكلاهما يتميز بالحمى، وآلام البطن والصدر، وارتفاع نسبة البروتين التفاعلي C، وزيادة عدد الكريات البيضاء.
أظهرت إحدى الدراسات التي أجريت على مجموعة من مرضى حمى البحر المتوسط الذين أصيبوا بعدوى COVID-19 بينما كانوا يتناولون جرعة مناسبة من الكولشيسين، شفاءَ جميع الحالات من كوفيد-19 دون مضاعفات.
وتشير الدراسة الحالية إلى أن الكولشيسين يؤثر إيجابيًا في تشخيص مرض كوفيد-19 في مرضى حمى المتوسط العائلية.
تغذية حمى البحر المتوسط
الأطعمة المضادة للالتهابات
أجريت دراسة لتحديد تأثير النظام الغذائي الصحي المضاد للالتهابات في أعراض حمى البحر المتوسط، خضع للدراسة 73 مريضًا اتبعوا كلهم -بالإضافة إلى جرعاتهم المعتادة من الكولشيسين- نظامًا غذائيًا مضادًا للالتهاب، إذ كان:
- غنيًّا بالخضراوات والفواكه الطازجة.
- منخفض الكربوهيدرات والدهون المشبعة وغير المشبعة.
- قليل المواد المضافة والسكر.
- خاليًا من الأطعمة السريعة والأطعمة المصنعة.
- يحتوي على مكملات غذائية غنية بفيتامين (د) والكركمين وبذور الكتان.
فقد لاحظ الباحثون حدوث تحسن كبير في الأعراض الناجمة عن حمى المتوسط لدى هؤلاء المرضى الذين أجريت عليهم الدراسة.
فيتامين (د)
أثبتت أبحاث كثيرة وجود ارتباط بين مستوى فيتامين (د) وظهور أعراض حمى البحر المتوسط، فقد وُجد أن نقص فيتامين (د) يساعد على زيادة أعراض المرض وزيادة مقاومة الكولشيسين.
الكركم
يُعتقد أن التأثيرات العلاجية للكركم تأتي من الكركمين الموجود في النبات، والذي يحتوي على خصائص مضادة للالتهابات ومضادة للأكسدة ومضادة للبكتيريا.
لذا، يعد الكركمين مكونًا رئيسًا للعديد من المكملات الغذائية ذات التأثيرات المضادة للالتهابات.
الأحماض الدهنية غير المشبعة
تعد أحماض أوميغا-3 الدهنية غير المشبعة من العوامل المضادة للالتهابات،
وتحتوي بذور الكتان على نسبة عالية منها، لذا فهي تعد غذاءً مضادًا للالتهاب.
الأطعمة الخالية من الجلوتين
من المعروف أن الحبوب المحتوية على الجلوتين يمكن أن تكون مسؤولة عن بعض الأمراض المتعلقة بتناول الجلوتين -مثل: حساسية القمح وبعض الاضطرابات الهضمية-، والتي تؤثر في نحو 5-10% من عامة السكان.
في دراسة أجريت على تأثير الجلوتين في مرضى البحر المتوسط كان هدفها تقييم العلاقة الحقيقية بين تناول القمح والأعراض التي تظهر عند مرضى حمى البحر المتوسط، أثبتت الدراسة إمكانية أن يصبح النظام الغذائي الخالي من الجلوتين حجر الزاوية في علاج حمى البحر المتوسط والوقاية منها.
وفي النهاية، تذكر -عزيزي القارئ- أن ظهور أعراض متتالية من ارتفاع درجة الحرارة وتقلصات البطن وآلام المفاصل، قد يدل على الإصابة بمرض حمى البحر المتوسط، فلا بد من استشارة الطبيب وعمل التحاليل اللازمة.
نرجو لك -عزيزي القارئ- دوام الصحة والعافية!
المصادر
اقرأ أيضًا
جرثومة المعدة | طرق العلاج الكامل لجرثومة المعدة
متلازمة التمثيل الغذائي | أسباب عدم نقصان الوزن