بقلم ا.منة بدير
ماريا منتسوري سابقة عصرها في نواحٍ كثيرة، فتُعد ماريا منتسوري أول مربية إيطالية تطبق المنهج العلمي في التربية، تميَّزت بالهمة العالية والإصرار، لها العديد من الإنجازات في مجالات التربية، والطب، وعلم النفس. فأصبحت موسوعة شاملة يعرفها كل مربي. فمن هي، وما قصة كفاحها في مجتمعها، وتأثيرها في أطفال بلدتها والعالم وما إنجازاتها؟ كل هذا وأكثر-عزيزي القارئ- سنلقي عليه الضوء في هذا المقال، فتابع معي.
من هي ماريا منتسوري؟
هي الطبيبة والعالمة ماريا منتسوري (Maria Montessori) رائدة النظريات التعليمية في تعليم الطفولة المبكرة ورياض الأطفال، التي ما زالت مُطبَّقة في مدارس منتسوري بجميع أنحاء العالم.
مولدها ونشأتها
وُلدت ماريا منتسوري في مدينة (Chiaravalle) بالقرب من مقاطعة أنكونا بإيطاليا سنة 1870م، لأبوين متعلمين تعلُّمًا جيّدًا من الطبقة المتوسطة، فكان والدها محاسبًا في الخدمة المدنية، ووالدتها متعلمة ولديها شغف بالقراءة وكثيرًا ما كانت تُسلحها بالعلم.
انتقلت أسرة منتسوري إلى روما عام 1875م، وفي العام التالي التحقت ماريا بالمدرسة المحلية للدراسة الابتدائية.
مسيرة ماريا منتسوري التعليمية
منذ بداية تعليمها كسرت الحواجز التقليدية لتعليم الفتيات، ففي هذه الحِقبة كانت إيطاليا تحمل قيمًا محافظة بشأن أدوار المرأة. ظهرت لديها تطلعات لدراسة الهندسة والفيزياء، وبالفعل التحقت بجامعة روما وحصلت على شهادة بعد عامين.
رحلة ماريا منتسوري مع دراسة الطب
بعد تخرجها في مدرسة الهندسة صمَّمت على دراسة الطب لتصبح طبيبة، مع أن والديها شجعاها على دخول مهنة التدريس؛ لكونها من المهن غير المنتشرة وقتها.
واجهت ماريا منتسوري العديد من العقبات في البداية، ورُفِضت بقرار من مدير الكلية؛ إذ إن دراسة الطب في هذا الوقت كانت حِكرًا على الذكور ولكنها استقبلت الأمر بقولها «أعلم أنّني سأصبح طبيبة».
وبالفعل مُنحت في النهاية دخولًا إلى جامعة روما عام 1890م، لتصبح واحدة من أولى النساء في كلية الطب في إيطاليا.
اختارت دراسة طب الأطفال والطب النفسي، وأثبتت تفوقًا منقطع النظير. عالجت العديد من الأطفال الفقراء وأطفال الطبقة العاملة الذين حضروا إلى العيادات المجانية في أثناء تدريبها وهي طالبة.
لاحظت أنّ ذكاء الأطفال الجوهري موجود لدى الأطفال من جميع الفئات الاجتماعية والاقتصادية.
أنهت دراسة الطب، وتأهلت للعمل طبيبة عام 1896م.
المسيرة العملية لماريا منتسوري
بعد مدة وجيزة من بَدء مسيرتها الطبية، انخرطت في حركة حقوق المرأة، اشتهرت بمستوياتها العالية من الكفاءة في علاج المرضى، بالإضافة إلى احترامها جميع المرضى من جميع الطبقات.
انضمت ماريا إلى برنامَج بحثي في عيادة الطب النفسي بجامعة روما، عملت مساعد جراح في مستشفى بروما، كان أكثر عملها مع الفقراء وأطفالهم.
كانت بجانب عملها تزور مصحات روما للأطفال ذوي الهمم والإرادة -ذوي الاضطرابات العقلية كما كان يطلق عليهم- بحثًا عن المرضى للعلاج في العيادة.
وفي إحدى الزيارات أخبرها القائم على الملجأ أن الأطفال أخذوا الفُتات من الأرض بعد تناول وجبتهم، فأدركت أنه في مثل هذه الغرفة الخالية من الأثاث كان الأطفال بحاجة ماسة إلى التحفيز الحسي والأنشطة لأيديهم، وهذا الحرمان يساهم في سوء حالتهم.
الطفرة التي أحدثتها في التعليم
بعد عملها مدة مع الأطفال الذين يعانون اختلافًا في التعلم، ووجدت نتائج مذهلة لاستجابتهم، منحتها الدولة منصب مديرة مدرسة (Orthophrenic) للأطفال المعاقين نموًا. وهناك بدأت إجراء بحوث مكثفة حول تنمية الطفولة المبكرة وكيفية تعليم الأطفال في سن رياض الأطفال.
قرأت لطبيبين فرنسيين من رواد التربية في القرنين الثامن عشر، والتاسع عشر وهما: جان مارك إيتارد، وإدوارد سيجان.
بدأ عملها مع الأطفال يكتسب أهمية أكثر. طُلب منها مخاطبة المؤتمر الطبي الوطني في تورين، حيث دافعت عن النظرية المثيرة للجدل القائلة بأن عدم وجود رعاية كافية للأطفال الذين يعانون اضطرابات عقلية، وعاطفية كان سببًا في انحرافهم. وطالبت بتأسيس معاهد طبية تربوية وتدريب خاص للمعلمين العاملين مع هؤلاء الأطفال.
وعندما وجدت نتائج منقطعة النظير في تطبيق نظام التعليم باستخدام الأنشطة، قررت تطبيق ذلك على المدارس العادية، وساعدتها الحكومة على ذلك.
في عام 1907 افتتحت ماريا منتسوري مدرسة (Casa dei Bambini) أول بيت روضة للأطفال (من عمر 3-6 سنوات) في حي سان لورينزو بروما، وهو من الأحياء الفقيرة، فكانت ماريا تجلب بعض المواد التعليمية التي طورتها في مدرستها ليتعلم بها الأطفال.
أدت نجاحاتها إلى افتتاح مدارس أخرى، وعلى مدار الأربعين عامًا التالية سافرت منتسوري إلى جميع أنحاء أوروبا، والهند، والولايات المتحدة لإلقاء المحاضرات والكتابة وإنشاء برامج تدريب للمعلمين.
مبادئ منهج المنتسوري
يُعد منهج المنتسوري في التربية من أشهر المناهج التربوية في العالم حتى يومنا هذا. إذ أنه يعتمد على التعليم الذاتي مفتاحًا رئيسيًا له، فيعرض المعلم الوسائل التعليمية على الطفل، ويترك الطفل يتعامل معها بمفرده.
توجد اليوم مئات المدارس القائمة عليه في الولايات المتحدة وكندا وغيرهما. ينصب تركيزهم الأساسي على التعليم في مرحلة ما قبل المدرسة (الطفولة المبكرة) لكن البعض يوفر التعليم الابتدائي بالطريقة نفسها.
وقد احتقرت الدكتورة ماريا منتسوري الفصول الدراسية التقليدية. وشبهتها بأن يُثبت كل طفل في مكانه مثل الفراشات المثبتة على دبابيس، وبدلا من ذلك سعت إلى تعليم الأطفال بعدة طرق منها:
- توفير مواد ملموسة مثل:
- خرز مرئي في وحدات ذات أرقام متدرجة لتعليم ما قبل الرياضيات.
- ألواح صغيرة من الخشب لتدريب العين على القراءة.
- سلسلة مترادفة من الأسطوانات لتدريب العضلات الصغيرة.
- تنظيم المواقف التي تساعد على التعلم باستخدام هذه المواد، إذ اكتشفت ماريا في أثناء ملاحظتها لسلوك الأطفال أن هذه المواد البسيطة أثارت لديهم اهتمامًا غير متوقع.
واستندت مبادئ منتسوري إلى عدة أمور هي:
- الإيمان بإمكانات الطفل الإبداعية.
- استغلال دوافعه وحقه في التعلم وتوجيهها لمجاله المفضل.
- يعتمد على استخدام الأجهزة التعليمية لضبط التنسيق بين اليد والعين.
- الدعامة الأساسية له التوجيه الذاتي والحساسية في تعليم ما قبل الرياضيات والأدب.
مناصب ماريا منتسوري
تقلَّدت منتسوري العديد من المناصب في روما من أهمها:
- شغلت منصبًا في الأنثروبولوجي.
- عملت مديرة مدرسة حكومية بروما.
- شغلت منصبًا في مجال النظافة في كلية للنساء بروما.
- عُينت مفتشًا حكوميًّا للمدارس في إيطاليا عام 1922م، ولكنها غادرت عام 1934م بسبب الحكم الفاشي، وقد أُغلقت جميع مدارس المنتسوري لأسباب سياسية.
كفاحها العالمي
عاشت ماريا في إسبانيا مع ابنها الوحيد ماريو وأولاده، وأورثته تراثها العلمي وأنشأوا جمعية المنتسوري الدولية (AMI) لاستكمال عملها وتأدية رسالتها. ثُمَّ سافروا إلى إنجلترا هربًا من الحروب الأهلية الإسبانية ثُمَّ إلى هولندا ثُم إلى الهند، حيث ابتكرت برنامَجًا يسمى التعليم من أجل السلام، وقد حصل على ترشيح جائزة نوبل.
وفي عام 1947م خاطبت اليونسكو حول موضوع التعليم والسلام، ورشحت لنَيل جائزة نوبل في السلام 3 مرات في 3 سنوات متتالية.
شهدت مدارس المنتسوري انتعاشًا كبيرًا في الستينيات بقيادة الدكتورة
نانسي رامبوش، واليوم تستمر أساليب مدرسة ومنهج منتسوري في جميع أنحاء العالم.
وتقديرًا لما قدمته، وضعت إيطاليا صورتها على إحدى العملات وظلت مدة من الزمن.
من أقوال ماريا منتسوري
- عندما سُئلت عن كيفية استجابة المرضى لطبيبة أنثى «يعرفون بشكل حدسي عندما يهتم شخص ما بهم،
حقًا إنّها فقط الطبقات العليا تكون ضد المرأة التي تعيش حياة مفيدة». - «الشخص الذي يخدم بدلًا من المساعدة، يعوقه تطوير استقلاله».
وفاتها
توفِّيت سنة 1952م في هولندا، عن عمر يناهز 81 عامًا.
وأخيرًا قد وصلنا إلى نهاية مقالنا، وتعرفنا إلى ماريا منتسوري الأيقونة التربوية العظيمة، ليس فقط بما قدمته في حياتها،
ولكن بما قدمته للعالم كله، وأصبح منهجها مرجعًا مهمًا لمن أراد الإبحار في علم التربية.
اقرأ أيضًا
مجدي يعقوب | ملك القلوب وراعيها
أحمد زويل الهرم الرابع | عندما تخلدك أعمالك!
أبو بكر الرازي | الموسوعة الخالدة
مراجع عام د.هند السيد
مراجع طبي د.سارة معاذ