مَن منا لا يحلم بالعمل في بيئة صحية وسليمة، تكون الاستمرارية فيها لمن يستحق، في بيئة تنافسية نظيفة. إن المنافسة في العمل قد ينتج عنها تعاون يزيد إنتاجية العمل وقد تنتج عنها أحقاد وعداوات تؤدي إلى بيئة عمل سامة لا تحقق رؤيتها ولا تؤدي رسالتها وأهدافها المنشودة.
في هذا المقال سنتعرض إلى المنافسة في العمل؛ أشكالها وإيجابياتها وسلبياتها وكيف تحسن من قدرتك التنافسية، وغيرها من الضوابط اللازمة لحياة صحية في العمل.
تعريف المنافسة
المنافسة هي سعي أحد الأفراد إلى الحصول على نفس الشيء الذي يسعى آخرون من أجله. والمنافسة في العمل يسعى فيها الأفراد إلى المنصب أو المكافأة أو إثبات الذات.
يحاول العاملون استخدام شتى الطرق والوسائل للبقاء في الصورة والدائرة التنافسية للحصول على المزايا المختلفة.
تتطلب المنافسة إتاحة الفرص للجميع وتمكين الأفراد المعنيين على حد سواء، وكذلك الشفافية ووضوح الأهداف. إن الإدارة هي الميزان الذي سيحدد ما إذا كانت المنافسة في العمل إيجابية أم كارثية.
الأهداف وراء المنافسة في العمل
هناك أنواع مختلفة من المنافسة التي يمارسها العاملون:
المنافسة على اعتلاء المناصب
هي أحد أهم أشكال المنافسة في العمل، إذ يميل الأشخاص إلى الوجاهة الاجتماعية.
تشكِّل حيزًا أكبر في مجالات العمل الخاص، إذ إن الترقيات واعتلاء المناصب في الجهات الحكومية لها قواعد منظمة ومحددة مسبقًا، لا يسهل تخطيها. ولكن في العمل الخاص، يكون الأمر أيسر على المديرين لإعطاء الفرص في الترقيات لمن يستحق.
يُقيِّم المديرون الموظفين تبعًا لكفاءتهم وجودة أعمالهم بشكل مباشر من خلال الأهداف المحددة سلفًا.
المنافسة على الإثابات والحوافز المالية
يطمح العاملون بالتأكيد إلى الحصول على مزيد من المال نظير الأعمال التي يقدمونها.
ويخلق نظام الإثابة جوًّا من المنافسة في بيئة العمل الصحية والإيجابية.
المنافسة على التحقُّق الذاتي
تميل النفس البشرية إلى حب التقدير وسماع كلمات المدح في سبيل تحقيق الذات.
قد لا يكون في إمكان المديرين منح المكافآت المالية لمستحقي التقدير، ولكنهم حتمًا يملكون الكثير من طرق الدعم والتحفيز المعنوي.
قد يحتاج الموظفون في مرحلة معينة إلى هذا النوع من التقدير أكثر من حاجتهم إلى التحفيز المادي.
من صور التقدير المعنوي
- منح شهادات التقدير والأوسمة.
- اختيار وتكريم العاملين المثاليين.
- كلمات الإطراء والمدح لأحد العاملين أمام زملائه.
إيجابيات المنافسة في العمل
المنافسة المقننة في العمل التي تخضع للتخطيط والإدارة الحكيمة، من المؤكد أنها ستسفر عن إيجابيات عدة.
إيجابيات المنافسة للمؤسسة
سبيل لتشجيع العاملين على زيادة الإنتاجية
ربط تحقيق المنفعة والإنتاجية بالحصول على الامتيازات سيحفز العاملين على أداء أقصى الجهد لتحقيق الأهداف.
تحفيز العاملين على الابتكار وحل المشكلات
إن الشغف لاكتشاف وتجربة طرق جديدة للتفوق على المنافسين، ينتج عنه إبداع عالٍ ومهارات مبتكرة لحل المشكلات.
“إذا كنت لا تستطيع مجاراتهم أو التفوق عليهم- ابحث عن طريقة أخرى”. إن الابتكار هو طريق النجاح، والمنافسة هي السيارة التي تدفع الأفراد على هذا الطريق.
الارتقاء بالمؤسسة مهنيًا وإداريًا
بطريقة غير مباشرة، تعمل المنافسة في العمل على تدعيم ركائز المؤسسة وعلى رأسها الهيكل الوظيفي والموارد البشرية.
يعمل ذلك التنافس على الدفع بإمكانات المؤسسة ككل، ويعضد من استقرارها على المستوى الفني والإداري والتنفيذي بوجه عام.
إيجابيات المنافسة للأفراد
المنافسة الصحية جيدة للتطوير الشخصي، يمكن أن نلخص تأثير المنافسة على الصحة في:
تدفعك للعمل بجِد لتعزيز التنمية الشخصية
فهي تدفعك للدراسة وتحسين القدرات واكتساب مهارات أخرى.
تقلل الرضا المطلق عن الذات
تساعدك المنافسة على استكشاف الأفضل لديك والبحث عن أشكال أخرى لمنجزاتك اليومية، الأمر الذي يضيف بُعدًا إيجابيًّا لزيادة مسؤولياتك الوظيفية بإسناد من مديريك.
تساعدك على أن تصبح أكثر توجهًا نحو الهدف
بتحديد أهدافنا ونقاط الضعف التي تحتاج إلى إصلاح والعمل على إيجاد استراتيجيات للحل ستصبح منافسًا أقوى. نصبح أكبر منافس لنا حيث نضع أهدافًا تساعدنا على أن نكون أفضل من أنفسنا.
المنفعة للمؤسسة والمنفعة الشخصية، حتمًا تصب كل منها في بوتقة الأخرى، والإدارة الحكيمة هي من تراقب ديناميكية التنافس وتتفاعل بالشكل المناسب لاستغلال مزاياه.
كيفية تحسين القدرة التنافسية
إليك بعض النصائح التي ستساعدك على تحسين قدرتك التنافسية:
ركز على أهداف العمل
تأكد من ماهية المهام المطلوبة منك والتزم بتلبيتها.
اكتسب مهارات جديدة وادرس قليلًا
إننا نعيش عصرًا مفتوحًا، وامتلاك مهارة واحدة ليس كافيًا للمنافسة. لذا عليك أن تطور نفسك وتكتسب مجموعة متنوعة من المهارات الإضافية التي تميزك عن زملائك.
طوِّر كفاءتك الأساسية
اكتسابك للعديد من المهارات أو الشهادات يجب ألا ينسيك إتقان مهامك الوظيفية الأساسية.
أتقن مهارة أو مهارتين محددتين في مجال تخصصك حتى يصبح من المستحيل تجاهُلك في هذا المجال. الأمر الذي يضيف إلى خبراتك الشخصية ويرجح كفَّتك في سوق العمل.
فكر في أهداف جديدة
كل شخص يمتلك القدرة التنافسية الحقيقية هو صانع الهدف.
بمجرد تحقيق هدف معين، سيتحدد هدف آخر. كن جاهزًا دائمًا للتعامل مع الأهداف الجديدة بمهاراتك المتقدمة وحلولك المتاحة.
التنافس غير الشريف
المنافسة في العمل لا تقتصر على الممارسات السوية، هناك كثير من الممارسات الدنيئة والملتوية التي يمارسها البعض لإبعاد الآخرين أو لاقتناص الفرص غير المستحقة والبقاء في الصورة. وربما الاستمتاع بإيذاء الآخرين وخلق بيئة عمل غير مريحة هو مفتاحها ومحورها الدائم. يعتمد أصحاب هذه الطريقة على التدليس والتزوير وتلفيق التهم والنكاية.
أساليب التنافس غير الشريف
التدليس: يمارس البعض الكذب وتدليس الحقائق بشأن واقعة معينة.
الإساءة للزملاء: يتعمّد البعض الإساءة لمنافسيه باختلاق الفضائح والوشايات.
الضربة القاضية: قد يتفرغ أحدهم لنصب المصائد والمكائد لإسقاط أحد زملائه والإطاحة به من موقعه الوظيفي. وتلك هي أسوأ أنواع المنافسة غير الشريفة.
دور الإدارة في ضبط العملية التنافسية
لتكون العملية التنافسية إيجابيةً، يجب على الإدارة أن تحرص على:
- توفير بيئة عمل صحية ركيزتها الشفافية والأمانة.
- تحديد رؤية واستراتيجية واضحتين للعمل.
- تحديد الأهداف قصيرة وطويلة المدى.
- منح الجميع فرصًا متساوية لإثبات أنفسهم.
- البقاء على الحياد دائمًا والالتزام بالعدالة.
- تخفيف القلق والتوتر الناتجيْن عن المنافسة، بتأكيد أولوية العمل الجماعي للمؤسسة.
- ألا تنخرط في القيل والقال وسفاسف الأمور.
- استبعاد الأشخاص غير الأمناء مباشرة بعد التحقيق معهم وثبوت وقائعهم.
طريقة أفضل لتطوير حياتك المهنية
المنافسة في العمل أمر لا مفر منه. وبينما تنظر بعض القيادات إلى المنافسة باعتبارها أسلوبًا لزيادة الإنتاج، إلا أنها ربما تسبب توترًا وقلقًا غير ضروريين. من الجيد أن تكون موظفًا متفانيًا وترغب في إنتاج عمل قوي، ولكن لا يجب أن يكون ذلك بمحاربة زملائك.
تقييم الملعب
فكر في زملائك كفريق كرة قدم إذ يلعب كل شخص في موقعه الخاص. لاحظ فيما يتفوق كل زميل. كل منكم حالة خاصة، بدلًا من مقارنة قدراتك بقدراتهم، احتضن جهودهم وصفق لها، غالبًا سيفعل زملاؤك الشيء نفسه تجاهك.
يزدهر الفريق عندما يحوي مجموعة متنوعة من المهارات في بيئة عمل تعاونية وداعمة.
حدد موقعك
فكر فيما يميزك عن أي شخص آخر في العمل واخلق مساحتك الشخصية الفريدة. ربما تكون متميزًا أكثر في الوصول إلى العملاء أو في تحليل البيانات أو ربما لديك مهارات التفاوض.
ضع في اعتبارك المجالات التي تلقيت فيها المديح وغالبًا ما ستجد نجاحك في الأمور التي تفعلها بشغف.
قد يصعب في بداية حياتك المهنية تحديد نقاط تميزك. يمكنك أن تستعين بتحليل “سوات” (SWOT analysis) لتحليل نقاط القوة والضعف والفرص والمخاطر التي تملكها وتحيط بك.
سيكون من الجيد حينها أن تتحد مع الآخرين الذين نقاط قوتهم هي نقاط ضعفك لتكتمل.
تسديد الهدف
حدد أهدافك الشخصية قصيرة وطويلة المدى، مثلًا قد تطمح إلى تحسين بيئة العمل، أو إدخال تقنية جديدة على العمل.
بمجرد أن تبدأ في فهم نفسك، ستدرك أنك ربما تهدف إلى تحقيق أهداف مختلفة عن نظرائك، وبالتالي لا حاجة للمنافسة. حتى إذا تشابهت أهدافكم فمن المؤكد أنك تجلب مهارات وطرقًا مختلفة إلى ساحة اللعب.
العب في مركزك بأفضل ما لديك
كن واعيًا كيف تستخدم مواهبك الفردية لتساعد فريقك على تحقيق الأهداف ومن ثم النجاح. ادفع نقاط قوتك إلى الصورة. اكشف عن مشاكل العمل بالحلول التي تتوافق مع قدراتك.
لا تتأخر عن مساعدة زملائك دائمًا؛ لأن العمل الجماعي في النهاية غالبًا ما يتفوق على التغريد خارج السرب.
التوتر في مكان العمل قد يفقدك الكثير. هناك قيمة كبيرة في تقدير زملائك. بدلاً من التناحر فيما بيننا، يمكننا أن نعيش أفضل من خلال تكامل قدراتنا معًا.
7 ضوابط لحياتك في العمل
- لا تثق في أحد بشكل مطلق، لكن احترم الجميع.
- ما يحدث في محل العمل من الأفضل تركه في محل العمل، لا تنقل ثرثرات العمل معك إلى المنزل والعكس.
- عدم الانخراط في علاقات خاصة في محل العمل، يؤدي ذلك أحيانًا إلى نتائج عكسية.
- لا تنتظر شيئا من الآخرين، إذا تبرع أحدهم بالمساعدة، كن ممتنًّا، وإذا لم يحدث ذلك، عليك التقبل وتعلُّم تنفيذ مهامك باستقلالية دائمًا.
- لا تجرِ وراء الحصول على منصب، إذا رشحك رؤساؤك إلى الترقية فأنت أهل لها وإذا لم يحدث ذلك، لا يهم، سيتذكرك زملاؤك دائما لاجتهادك وأدبك وليس لمنصبٍ.
- لن يهم كيف يعاملك أو يراك الآخرون، كن متواضعًا، لا أحد يلقى إعجاب كل الناس.
- أخيرًا لا شيء مهم في الحياة بقدر أهمية عائلتك وأصدقائك وبيتك وسلامك الداخلي.
لا أعلم عزيزي القارئ هل ستوافقني الرأي أم لا، أعتقد أنه من الصعب دائمًا أن يلتزم الإنسان بالممارسات الأخلاقية وأن يروِّض ذاته ويلحقها دائمًا بالطريق السليم. إن استخدام الأساليب الملتوية والسير وراء شرور النفس دائمًا ما يكون سهلًا، وقد يحقق لنا المراد الدنيوي لكننا حينها سنكون قد خسرنا الكثير، استغل المنافسة في العمل بشكل شريف.
اقرأ أيضًا
الفجوة بين الأجيال | الأسباب والدوافع وكيف نرأب الصدع؟
إلى ذوي الهمم والإرادة | الإتاحة للجميع