د. آمال قادي
كثيرًا ما يحذر الأطباء من حمل أوزان ثقيلة خوفًا من حدوث انزلاق غضروفي أو انقراص الفقرات، الذي يعد من الأمراض الشائعة التي تصيب العمود الفقري، فما هو الانزلاق الغضروفي؟ وما هي أسبابه؟ وكيف يمكنك علاجه؟
ستجد في هذا المقال كل ما تود معرفته عن الانزلاق الغضروفي.
تعريف الانزلاق الغضروفي
يتكون العمود الفقري من عدد من الفقرات المرصوصة بعضها فوق بعض، يفصل بينها أقراص مرنة هي الأقراص الغضروفية الفقرية. الانزلاق الغضروفي (Herniated Disc) أو ما يعرف بالديسك هو خروج جزء من هذه الأقراص الموجودة بين الفقرات من مكانه.
يتكون القرص من بنية ليفية صلبة تشكل المحيط و نواة داخلية هلامية. تعمل هذه التركيبة على امتصاص الصدمات في حال حدوثها وتقليل الضغط على الأعصاب، كما توفر للعمود الفقري المرونة التي تسهل حركة الفقرات.
يحدث الانزلاق الغضروفي أو انقراص الفقرات عندما يضعف القرص ويتشقق (يحدث ذلك طبيعيًا مع التقدم بالسن ويمكن أن يكون في وقت مبكر بسبب عوامل معينة مثل رفع الأوزان الثقيلة)، وتنفجر النواة الجيلاتينية بسبب الضغط على القرص فيخرج جزء منها من مكانه من خلال تلك الشقوق. يتسبب ذلك في بروز جزء من القرص الفقري في القناة التي يمر منها الحبل الشوكي، ويؤدي الضغط على جذر العصب الذي يمر بالقرب منه إلى الشعور بالألم.
قد يصيب فتق الأقراص أي منطقة من العمود الفقري لكن أسفل الظهر هو الأكثر عرضة. يمكن أن يسبب الانزلاق ألمًا حادًا أو مزمنًا، ويمكن أن يمر دون أعراض.
أنواع الانزلاق الغضروفي
تنقسم أنواع الانزلاق حسب المنطقة التي يحدث فيها من العمود الفقري إلى:
انزلاق غضروفي عنقي:
قد يحدث الانزلاق في الأقراص التي تفصل بين الفقرات العنقية متسببا في ألم وخشونة الرقبة. قد يمتد الألم إلى الكتف والذراع ويكون عادة في جهة واحدة من الجسم. تختفي الأعراض عادة تدريجيا دون الحاجة إلى تدخل طبي.
انزلاق غضروفي صدري:
وهو يحدث على مستوى فقرات الصدر. نادرًا ما تصاحبه أعراض، كألم في العمود الفقري و جذور الأعصاب. حيث كشفت دراسات أجريت على مجموعة من الأشخاص الذين لا يعانون أي أعراض أنهم يعانون انزلاقا غضروفيا صدريا لم يشخص.
انزلاق غضروفي قُطْني:
على الرغْم من أن القَرص الغضروفي يمكن أن يؤثر على أي منطقة من العمود الفقري، إلا أن أغلبية الأقراص المنفتقة تحدث في أسفل الظهر لأنها الأكثر عرضة للضغوط. في هذه الحالة، يمكن أن يسبب الفتق آلام أسفل الظهر. إذا ضغط الفتق على أحد جذور العصب الوركي، فيمكن أن يكون مصحوبًا بألم في ساق واحدة: إنه عرق النَّسا. يمكن أن يمر الانزلاق الغضروفي أيضًا دون أي أعراض، هذا هو الحال عادةً عندما لا يضغط على جذر العصب.
أسباب الانزلاق الغضروفي والفئات المعرضة للإصابة به:
حدوث الانزلاق الغضروفي مرتبط بـ :
- جفاف الأقراص الفقرية: مع التقدم بالسن، تصاب الأقراص الغضروفية تدريجيا بالتقلص والجفاف مما يفقدها مرونتها. يمكن أن يحدث الجفاف بسبب عدم تزويد الجسم بكميات كافية من الماء خاصة عندما تكون درجات الحرارة مرتفعة.
- تآكل الأقراص: يؤدي الضغط الشديد والمتكرر على الأقراص لتآكلها. وضعية الجسم السيئة، والجلوس اليومي المطول، وحمل الأوزان الثقيلة كلها أمور تضعف الأقراص الفقرية.
- العامل الوراثي: يصاب أحيانًا العديد من أفراد الأسرة الواحدة بهذا المرض، يعود ذلك إلى تشوهات جينية تتسبب في ضعف بنية العمود الفقري أو تغيير في وضعيته مما يساهم في إضعاف الأقراص.
في هذه الحالة تكون الإصابة بالانزلاق الغضروفي في سن مبكرة، يمكن أن يصل إلى فترة ما قبل البلوغ.
- الوزن الزائد والحمل :كلما زاد وزن الشخص، زاد الضغط على عموده الفقري حيث تصبح القوة التي تمارس عليه أكبر، مما يؤدي إلى تسريع شيخوخته.
- يمكن أن يحدث القرص بسبب حركة مفاجئة خلال وضعية غير صحيحة. المثال الأكثر شيوعًا هو محاولة حمل أوزان ثقيلة موضوعة على الأرض مع ثني الظهر للأمام. لذلك من الضروري عند رفع شيء من على سطح الأرض استعمال عضلات الساقين مع إبقاء الظهر مستقيمًا.
الفئات المعرضة للإصابة:
- الأفراد الذين تتراوح أعمارهم بين 35 و55 سنة.
- الأشخاص الذين يعانون السمنة أو زيادة الوزن.
- الأشخاص الذين يمارسون مهنًا أو رياضات تتطلب جهدًا بدنيًا.
أعراض الانزلاق الغضروفي:
ضغط القرص على جذور الأعصاب المجاورة هو السبب الرئيسي لمختلف الأعراض. يسبب هذا الضغط ألمًا موضعيًا يتفاقم عند استخدام العضلات في هذه المنطقة: الحركة، والسعال، والعطس، والإجهاد، إلخ. قد يتفاقم هذا الألم أيضًا بسبب الجلوس أو الوقوف لفترات طويلة.
- آلام أسفل الظهر: قد يصاحب الانزلاق الغضروفي القطني ألم خفيفً أو حاد في الخصر أو الأطراف السفلية، وتشنج عضلي، وألم في الجزء الخلفي من الساق، وضعف عضلي في الأطراف السفلية. وهو أكثر الأعراض الأولية شيوعًا.
- اضطراب في الحس.
- عرق النَّسا.
- متلازمة ذنب الفرس Cauda Equina Synrome: وهو أخطر مضاعفات الانزلاق الغضروفي القطني.
يشير ذنب الفرس إلى حزمة من الأعصاب الشوكية، وجذور الأعصاب التي تقع في المنطقة الطرفية السفلية من الحبل الشوكي. يمكن أن يؤدي الضغط على هذه المنطقة إلى ظهور أعراض نادرة مثل سلس البول والشرج.
تعد هذه المتلازمة حالة جراحية طارئة حيث يمكن أن تحدث ضرر لا يمكن علاجه وتؤثر بشكل خطير على الأعصاب.
- تصلب و ألم في الرقبة: إذا حدث الانزلاق في فقرات الرقبة ينتشر الألم أحيانًا إلى الكتفين أو الذراعين. يمكن الشعور بالوخز أو التنميل أو الشعور بالضعف في الذراع أوالساعد أو اليد.
علاج الانزلاق الغضروفي
يعتمد اختيار العلاج المناسب لتخفيف أعراض الانزلاق الغضروفي على موقعه وشدة هذه الأعراض. مدى نشاط الشخص وحركته ومدى صعوبة أداءه للأنشطة اليومية يلعبان بدورهما دورًا في توجيه العلاج.
في أغلب الحالات، يشفى القرص الغضروفي تلقائيًا في غضون ست أسابيع تقريبًا.
يتضمن علاجه في المقام الأول الحرص على راحة المريض و عدم ممارسته لسلوكيات قد تزيد من حدة الألم. في حال استمرار الألم و عدم قدرة المريض على تحمله قد يلجأ الطبيب إلى وصف مُسكنات أو مضادات الالتهاب. في معظم الحالات، تكون هذه الإجراءات كافية لتقليل الأعراض وشفاء القرص الغضروفي. نادرًا ما تكون الجراحة ضرورية.
العلاج الدوائي
كما ذكرنا سابقا، يبقى العلاج الرئيسي للانزلاق الغضروفي هو تخفيف الألم والالتهاب باستخدام مسكنات الألم (مثل الباراسيتامول Paracetamol) أومضادات الالتهاب غير الستيرويدية (مثل الإيبوبروفين Ibuprofen).
في حالة حدوث توتر وتقلص في عضلات الظهر، يمكن أيضًا تقديم مرخيات العضلات.
إذا كان الألم شديدًا ومستمرًا، فقد يصف الطبيب مسكنات أقوى للألم، أو جرعات أعلى من الأدوية المضادة للالتهابات. للتغلب على الألم المستمر، يمكن أيضًا وصف حقن موضعية للكورتيكوستيرويد (Corticosteroids).
العلاج الحركي (العلاج الطبيعي)
بمجرد أن تخف الأعراض، قد يصف الطبيب المعالج جلسات إعادة التأهيل لتسريع الشفاء. تهدف هذه الجلسات إلى منع العضلات المحيطة بالقُرص التالف من الانقباض الدائم تحت تأثير الألم، مما يزيد الضغط عليه ويساهم بدوره في حدوث الألم. هذه التمارين تعمل في الأساس على تحسين وضعية الجسم وتقوية عضلات الظهر والبطن وإرخاءها. يمكن للاختصاصي خلال هذه الجلسات اللجوء إلى العلاج بتقنية الموجات فوق الصوتية أو التدليك.
زيادةً على ذلك، يوضح الطبيب لمريضه الوضعيات الصحيحة لرفع الأوزان الثقيلة والانحناء والدخول والخروج من السيارة والتنظيف والبستنة وما إلى ذلك.
العلاج الجراحي
في حالات محددة للغاية، على سبيل المثال عندما يصبح القرص الغضروفي مزمنًا ويعيق الحياة اليومية، من الممكن التدخل جراحيًا لإزالة الضغط وتجنب تكراره. هذا النوع من العلاج ضروري فقط في 5-10٪ من الحالات، لذلك يبقى نادرًا نسبيًا.
التقنيات الجراحية عديدة وهي تتطور باستمرار. تزيل الجراحة الضغط الذي يضعه القرص الفقري على جذور الأعصاب وتستخدم فيها تقنيات مختلفة. تهدف بشكل أساسي إلى إزالة القرص الغضروفي جزئيًا أو كليًا واستبداله.
في الأخير نقدم لكم بعض النصائح لتجنب حدوث الانزلاق الغضروفي:
- التمرين وممارسة الرياضة بشكل منتظم كالمشي أو اليوجا.
- تمرين عضلات البطن و الظهر لأنها المسؤولة على دعم العمود الفقري.
- المحافظة على وزن صحي بمراقبة السعرات الحرارية، و التخلص من الوزن الزائد.
- شرب كمية كافيه من المياه، خاصة في فصل الصيف.
- الحفاظ على وضعية جسم صحيحة.
- تجنب الوقوف أو الجلوس لفترات طويلة، وفي حالة الاضطرار لذلك، من الأفضل أداء حركات تمديد الجسم من وقت لآخر.
- استخدام الكراسي الدوار لتقليل حركات الالتواء.
- تفضيل حقائب الظهر على حقائب اليد، واستخدم كلا الكتفين لحمل حقيبة الظهر.
- دفع الأشياء الثقيلة بدلًا من سحبها.
- تجنب ارتداء الأحذية ذات الكعب العالي.
اقرأ أيضًا
الأمراض الروماتيزمية | أنواعها وعلاجها
خشونة الرقبة | أسبابها وكيفية علاجها
الحجامة | ما فوائدها ومتى نلجأ إليها؟
