تُعلمنا اليقظة الذهنية الانتباه للوقت الحاضر، واحتضان كل لحظة من اليوم وعدم القلق بشأن ما يجلبه الغد، إذ تتجول أذهاننا طيلة الوقت بين التفكير في الماضي والتخطيط للمستقبل.
يواجه الكثير من الناس صعوبة في إرخاء أجسادهم وتهدئة عقولهم بسبب ذلك الإجهاد في حياتهم اليومية؛ مما يجعلهم عرضةً للإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية وأمراض أخرى.
من بين العروض التي لا تُعد ولا تحصى التي تهدف إلى مكافحة الإجهاد، من التمارين الرياضية إلى اليوجا إلى التأمل، أصبح تأمل اليقظة الذهنية أهم سلعة في عالم العافية.
يمكن العثور على دورات اليقظة الذهنية هذه الأيام في أماكن تتراوح من المدارس إلى السجون إلى الفرق الرياضية، حتى الجيش الأمريكي تبناها مؤخرًا؛ من أجل “تحسين المرونة العسكرية”.
ما المقصود باليقظة الذهنية؟
اليقظة الذهنية (mindfulness) هي نوع من أنواع التأمل (meditation)، تحافظ فيه على الوعي لحظة بلحظة، بأفكارك، ومشاعرك وأحاسيسك الجسدية والبيئة المحيطة، بمراقبة دقيقة دون تفسير أو حكم.
تتضمن ممارسة اليقظة طرق التنفس، والتخيل الموجه، وغيرها من الممارسات لإرخاء الجسم والعقل والمساعدة على تقليل التوتر.
إن قضاء الكثير من الوقت في التخطيط أو حل المشكلات أو أحلام اليقظة أو التفكير في الأفكار السلبية أو العشوائية يمكن أن يكون مرهقًا، ويمكن أن يجعلك كذلك أكثر عرضة للتوتر والقلق وأعراض الاكتئاب.
يمكن أن تساعدك ممارسة تمارين اليقظة على توجيه انتباهك بعيدًا عن هذا النوع من التفكير والتفاعل مع العالم من حولك.
تشمل اليقظة الذهنية عنصرين أساسيين
- الوعي
هو المعرفة والقدرة على تركيز الانتباه على العمليات والخبرات الداخلية للفرد، مثل: اللحظة الحالية.
- القبول
بمعنى أننا نولي اهتمامًا لأفكارنا ومشاعرنا دون الحكم عليها، ودون الشك، على سبيل المثال، أن هناك طريقة “صحيحة” أو “خاطئة” للتفكير أو الشعور في لحظة معينة.
أمثلة على تمارين اليقظة الذهنية
يوجد عديد من الطرق البسيطة لممارسة اليقظة، مثل:
- الاسترخاء
إبطاء وملاحظة الأشياء في عالم مزدحم أمر صعب جدًا، وخذ وقتًا كافيًا لتجربة البيئة حولك بكل حواسك على سبيل المثال، عندما تأكل طعامًا خذ وقتك في شمه وتذوقه والاستمتاع به.
- عش اللحظة
ابحث عن الفرح في الملذات البسيطة، وانتبه إلى كل ما تفعله عن قصد.
- تقبل الذات
عامل نفسك بالطريقة التي تعامل بها صديقًا جيدًا.
- ركز على تنفسك
- عندما تكون لديك أفكار سلبية حاول الجلوس وخذ نفسًا عميقًا وأغلق عينيك.
- ركز على أنفاسك وهي تتحرك داخل وخارج جسدك.
- سيساعدك الجلوس والتنفس ولو لدقيقة واحدة.
يمكنك أيضًا تجرِبة المزيد من تمارين اليقظة مثل:
- تأمل الجسد
استلق على ظهرك مع مَدّ رجليك وذراعيك على جانبيك، وراحتي اليدين لأعلى.
ركز انتباهك ببطء على كل جزء من جسدك، بالترتيب من إصبع القدم إلى الرأس أو من الرأس إلى أخمص القدمين.
كن على دراية بأن أي أحاسيس أو عواطف أو أفكار مرتبطة بكل جزء من جسدك.
- التأمل في أثناء الجلوس
اجلس في وضع مريح واجعل ظهرك مستقيمًا وقدميك مستوية على الأرض ويديك في حضنك.
تنفس بواسطة أنفك، وركز على أنفاسك وهي تتحرك داخل وخارج جسدك.
إذا قاطعتك أي أحاسيس أو أفكار سجلها ثم عد إلى التركيز على أنفاسك.
- التأمل في أثناء المشي
ابحث عن مكان هادئ طوله من 10 إلى 20 قدمًا، وابدأ في المشي ببطء.
ركز على المشي وإدراك أحاسيس الوقوف والحركات الخفية (غير الظاهرة) التي تحافظ على توازنك.
عندما تصل إلى نهاية الطريق استدر واستمر في المشي والمحافظة على وعيك بأحاسيسك.
ما هو تاريخ اليقظة الذهنية؟
ترجع أصول اليقظة إلى التعاليم البوذية والهندوسية التي تُرجم منها مفهوم “ساتي” تقريبًا إلى “اليقظة الذهنية”، وانتشرت هذه الممارسة في الغرب على يد جون كابات زين.
ابتكر زين طريقة تقليل الإجهاد استنادًا على اليقظة الذهنية؛ لعلاج الألم والقلق والتوتر، وفي النهاية أدخل اليقظة في الممارسات السريرية.
ما الفرق بين اليقظة والتأمل؟
تُعَد اليقظة أحد أشكال التأمل.
يستخدم التأمل ممارسات متنوعة لتحقيق مستوى أعلى من الوعي أو تهدئة العقل، أحدها هو اليقظة.
يمكن تنمية اليقظة داخل أي نشاط، مثل: المشي أو المشاركة في محادثة.
ما هي فوائد التأمل؟
بعد دراسة التأمل في العديد من التجارِب السريرية، ظهرت فاعليته في حالات عدّة منها:
- الضغط العصبي.
- الألم.
- القلق.
- الأرق.
- ارتفاع ضغط الدَّم.
تشير البحوث الأولية إلى أن التأمل يمكن أن يساعد أيضًا الأشخاص المصابين بالربو والألم العضلي الليفي (الفيبروميالجيا).
أُثبتت فاعلية التأمل أيضًا في كلٍ من:
- تعزيز الانتباه
- تقليل الإرهاق الوظيفي
- تحسين النوم
- السيطرة على مرض السكري
ما هي فوائد اليقظة الذهنية؟
أظهرت الدراسات أن ممارسة اليقظة حتى لبضعة أسابيع فقط، يمكن أن يجلب مجموعة متنوعة من الفوائد الجسدية والنفسية والاجتماعية، وفيما يلي بعض هذه الفوائد
- الصحة الجسدية
وجدت دراسة أنه بعد مضي ثماني أسابيع فقط من التدريب، فإن ممارسة اليقظة الذهنية تعزز قدرة جهاز المناعة على مقاومة الأمراض، وتحسن النوم وتخفف التوتر.
- الصحة العقلية
تزيد من المشاعر الإيجابية وتقلل المشاعر السلبية والتوتر، وفي الواقع، تشير دراسة واحدة على الأقل أن اليقظة مفيدة كمضادات الاكتئاب في مكافحة الاكتئاب ومنع الانتكاس.
ارتبط مصطلح اليقظة والقلق عندما تحول المعالجون النفسيون إلى تأمل اليقظة كعنصر مهم في علاج عدد من المشكلات، مثل: تعاطي المخدرات، واضطرابات الأكل وصراعات الأزواج واضطرابات القلق والوسواس القهري.
- التركيز
يُساعد على التخلص من الانحرافات وتحسين الذاكرة ومهارات الانتباه واتخاذ القرار.
- تعزيز التعاطف والإيثار
تجعلنا اليقظة أكثر قابلية لمساعدة شخص محتاج؛ فهي تزيد من نشاط الشبكات العصبية المشاركة في فهم معاناة الآخرين وتنظيم العواطف، وتعزز التعاطف مع الذات أيضًا.
- المرونة
تشير بعض الأدلة إلى أن تمارين اليقظة الذهنية تساعد المحاربين القدامى الذين يواجهون اضطراب ما بعد الصدمة وضباط الشرطة.
العَلاقة بين اليقظة وعلم الأعصاب
يحتوي الدماغ على بلايين من الخلايا العصبية.
تحتاج هذه الخلايا العصبية إلى التواصل مع بعضها البعض ومع أجزاء أخرى من الجسم؛ لتعمل كل هذه الأنظمة معًا بطريقة متماسكة.
يتمتع الدماغ بالمرونة والقدرة على التعلم والنمو والتغيير بمرور الوقت، ويؤثر التأمل في وظائف الدماغ وهيكله وأنماط تفكيره.
كلما مارست التأمل واليقظة، زادت قوة المشابك العصبية في الدماغ، مما يمكن أن يساعد في تحسين حياتك.
وجدت الأبحاث أن تمارين اليقظة تزيد من كثافة المادة الرمادية في مناطق الدماغ المرتبطة بالتعلم والذاكرة وتنظيم المشاعر والتعاطف.
متى وكم عدد مرات ممارسة تمارين اليقظة الذهنية؟
يعتمد ذلك على نوعية التمارين التي ترغب في القيام بها.
يمكن ممارسة تمارين اليقظة البسيطة في أي مكان وزمان.
تحتاج إلى تخصيص وقت في مكان هادئ دون تشتيت الانتباه أو المقاطعات لممارسة المزيد من تمارين اليقظة المنظمة، مثل: تأمل الجسد أو التأمل في أثناء الجلوس.
ربما تختار ممارسة هذا النوع من التمارين في الصباح الباكر قبل أن تبدأ روتينك اليومي.
ضع هدفًا بممارسة اليقظة الذهنية كل يوم لمدة ستة أشهر على الأقل.
بعد فترة، ستصبح اليقظة الذهنية سهلة، وفكر في الأمر على أنه التزام؛ لإعادة التواصل مع نفسك ورعايتها.
هل يمكن أن تساعد اليقظة الذهنية على التخلص من العادات السيئة؟
يمكن أن تساعد اليقظة على التخلص من العادات السيئة مثل: التدخين أو الإفراط في تناول الطعام.
عندما تتطور العادة، فإن المحفز (الجوع) يحفز السلوك (الأكل) الذي يؤدي إلى المكافأة (الرضا).
يمكن أن يساعد إدراك السلوك على استبداله بسلوك أكثر صحة.
هل يمكن لليقظة أن تقوي العلاقات؟
تشير الأبحاث إلى أن المستويات الأعلى من اليقظة الذهنية تتنبأ بعلاقات أكثر سعادة ورضا.
فصل ما إذا كان اليقظة هي سبب هذه التحسينات أمر صعب، ولكنها تفيد المهارات الأساسية في العلاقات، مثل: الحضور والانتباه وتنظيم المشاعر والوعي الذاتي وتنمية التعاطف والرحمة.
- الأزواج
تشير الأبحاث أيضًا إلى أن تدريب اليقظة يجعل الأزواج أكثر رضا عن علاقتهم، ويجعل كل شريك يشعر بمزيد من التفاؤل والاسترخاء، ويجعلهم يشعرون بمزيد من القبول والاقتراب من بعضهم البعض.
- الآباء والأمهات
تشير الدراسات إلى أن اليقظة تقلل من القلق المرتبط بالحمل والتوتر والاكتئاب لدى الوالدين المنتظرين، بل وتقلل من مخاطر الولادة المبكرة ومشكلات النمو.
يشعر الآباء الذين يمارسون التربية الواعية بإجهاد أقل مقارنةً بغيرهم، وممارسات أبوية أكثر إيجابية، وعلاقات أفضل بأطفالهم.
يكون هؤلاء الأطفال أقل عرضة للاكتئاب والقلق، ولديهم مهارات اجتماعية أفضل.
يؤدي تدريب اليقظة الذهنية للأسر إلى جعل الآباء أقل توترًا ويولون المزيد من الاهتمام لأطفالهم.
في النهاية، اليقظة هي مِيزة يمتلكها كل إنسان فعلًا، وهي ليست شيئًا يجب عليك استحضاره، ولكن عليك فقط تعلم كيفية الوصول إليه.
لا تعني اليقظة الذهنية أن تكون إيجابيًا طوال الوقت، أو أن تشعر بالسعادة الزاهية، بل أن تشعر بالمؤلم والممتع وأيضًا بالسهل والصعب؛ لتكون حاضرًا ومستيقظًا في حياتك.
اقرأ أيضًا
ذكاء الأطفال | كيف تربي طفلًا استثنائي الذكاء
11 طريقة لرفع مستوى هرمون السعادة
الشخصية العصابية بين التعاطف والاتهام