الفجوة بين الأجيال أمر طبيعي نتيجة عدة متغيرات تنعكس على شخصية الفرد وهويته، لكن المصطلح ذاته يصدم الكثيرين.
نعتقد -حين نلفظ (فجوة)- أن صدعًا كبيرًا يتسع باستمرار هناك، فهل هذا صحيح؟
دعني عزيزي القارئ آخذك في جولة، لنتعرف إلى المصطلح، وأسبابه ودوافعه، وكيف يؤثر على حياتنا اليومية والأسرية، ووسائل التعامل معه، فتابع معي.
نبذة تعريفية
قبل أن ننطلق، علينا توضيح المقصود ببعض الألفاظ:
الجيل
يُعرَّف بمجموعة الأفراد الذين ولدوا وعاشوا في المدّة الزمنية نفسها.
أو الفترة الزمنية الفاصلة بين ولادة الآباء وأبنائهم، وتقدر في البشر ما بين 20 إلى 35 عامًا. ومؤخرًا يقدرها البعض ما بين 15 إلى 20 عامًا.
تعريف الفجوة بين الأجيال
هي الهُوَّة الفاصلة بين أفكار ومعتقدات جيلين أو أكثر. وتشمل الاختلاف أو التفاوت في المعتقدات الدينية والسياسية والفكرية، والقيم والأفعال والأذواق، وغيرها.
يحب البعض تسميتها بصراع الأجيال، أو الفجوة الجيلية، أو الفرق بين الأجيال القديمة والحديثة، وغيرها من المسميات التي تشير إلى مفهوم واحد.
وعلى الرغم من ظهور تلك الفجوة على مر العصور، إلا إنها اتسعت وتباينت بشدة خلال القرنين العشرين، والحادي والعشرين.
ظهر المصطلح في ستينيات القرن الماضي، وشاع استخدامه منذ وقتها.
ما هي أسباب الاختلاف بين الأجيال؟
تتعدد أسباب ودوافع الصراع بين الأجيال، أو الفجوة الجيلية، نذكر منها:
- النظرة إلى الأعراق والتوجهات المختلفة.
- القيم الأخلاقية.
- احترام الآخر.
- المعتقدات الدينية.
- الآراء السياسية.
- أخلاقيات العمل.
إلى جانب المتغيرات العالمية ووسائل الإعلام اللتين تؤديان دورًا كبيرًا في تشكيل هُوِيَّة الفرد، ومن ثم الجيل.
علماء الاجتماع وتقسيم الأجيال
لندرك ما يعنيه مصطلح “الفجوة بين الأجيال”، سنتطرق إلى تقسيم علماء الاجتماع لأجيال القرن الماضي.
الجيل الصامت (التقليديون)
يشمل الأفراد المولودين قبل العام 1946 ميلادية. يتميز أفراد هذا الجيل بالآتي:
- الوطنية وحب الانتماء.
- يقدرون قيمة الأسرة.
- مكوث أحد الوالدين بالمنزل لتربية الأبناء.
- حب العمل الجماعي والقيادة.
كما يميلون إلى إطاعة الأوامر، وإصدار الأحكام، واحترام السلطات.
جيل الطفرة السكانية
يمتد من العام 1946 إلى 1964. شهد هذا الجيل تباين وجهات النظر حول السياسة والحرب والعدالة الاجتماعية. كما شهد حركات الحقوق المدنية، ومناصرة المرأة.
ويتسم أفراد هذا الجيل بالآتي:
- يجيدون بناء العلاقات.
- يحترمون حقوق الآخرين.
- لا يحكمون على أخطاء أو مشكلات غيرهم.
إلى جانب إطاعة الأوامر، واحترام السلطات كسابقيهم.
الجيل إكس (Gen-Xers)
المولودون في الفترة من 1965 إلى 1979. عاصر أفراده نشأة التطور التكنولوجي، وبداية ظهور الحواسيب صغيرة الحجم.
يتصف جيل إكس بالآتي:
- الموازنة بين الحياة والعمل.
- التعجل بعض الشيء وانتظار المقابل السريع.
- قلة الانتماء إلى المؤسسات، والتنقل بين الوظائف.
مما خلق بعض الاختلاف حول رؤيتهم للمتغيرات الحياتية عن سابقيهم، ودعم ظهور مصطلح “الفجوة بين الأجيال”
جيل الألفية (الجيل واي “Y”)
ويشمل المولودين في الفترة من 1980 إلى 1994. نشأ هذا الجيل في ظل الثورة التكنولوجية، كما شهدوا أحداثًا عالميةً مثل: أحداث 11 سبتمبر، وحربيّ العراق وأفغانستان، وغيرها.
يتميز أفراده بالآتي:
- ارتياحهم للتكنولوجيا، وحسن استخدامها.
- استخدام الإنترنت في اكتساب وتبادل المعلومات.
- افتقارهم إلى مهارات التواصل وجهًا لوجه.
بالإضافة إلى قلة حس الانتماء إلى المؤسسات، وتنقلهم من وظيفة إلى أخرى كجيل إكس.
الجيل الرقمي (الجيل زي “Z”)
أحدث الأجيال المصنفة، وهم مواليد الفترة من 1995 إلى 2009. نشأ هؤلاء في ظل انفتاح عالمي هائل، واستخدموا وسائل التكنولوجيا منذ نعومة أظفارهم. ويتميزون بالآتي:
- البحث عن الحقيقة، والسعي إليها.
- الرغبة في الأصالة والتفرد.
- تفتح العقل، وتقبل الآخرين.
كذلك القدرة على فهم الاختلاف والتعامل معه، وحسن استغلال الوسائل التكنولوجية.
الفجوة بين الأجيال في واقعنا اليومي
بعد أن تعرفنا إلى تقسيم علماء الاجتماع للأجيال المختلفة، والصفات المميزة لكل جيل، تعالى عزيزي القارئ لنرى كيف يؤثر اختلاف الأجيال على واقعنا اليومي.
هل تعاني تعنت رئيسك في العمل، وتمسكه باللوائح والقوانين مهما تكن ملابسات الموقف؟
أيشتكي جارك المسن ويغضب دائمًا من سلوكيات الأجيال الجديدة؟
هل تتعجب من سرعة مواكبة الصغار للتطورات التكنولوجية المتوالية؟
أو تغضب من عدم التزامهم بما تراه صحيحًا، ورغبتهم في اختبار تجربتهم الخاصة؟
إذًا أهلًا بك في الفجوة المتنامية بين الأجيال، أنت بالفعل تعاصرها، وربما تشتكي انعكاساتها أيضًا!
اختلاف الأجيال بين الآباء والأبناء
واحدة من أكثر الأُطُر التي تتجلى فيها الفجوة بين الأجيال بوضوح، هي الأسرة. إذا نظرنا في محيط واحدة عادية، سنرى الجد والجدة اللذين ينتميان إلى جيل الطفرة السكانية غالبًا. بينما ينتمي الأب والأم إلى جيل الألفية. وأخيرًا الأبناء الذين ينتمون إلى الجيل الرقمي.
إن اختلاف مقومات كل فترة، والأحداث المحلية والعالمية التي شهدها كل جيل، تؤثر تأثيرًا كبيرًا في تكوين شخصيته. كذلك تُشكِّل صفاته الفريدة التي تميزه، وتؤهله لمواكبة عصره.
أسباب صراع الأجيال داخل الأسرة
بناءً على ما سبق -خاصة أسباب الاختلاف بين الأجيال- يمكننا تعديد أسباب الاختلاف بين الآباء والأبناء فيما يأتي:
الافتقار إلى فهم الاختلاف
يبدو جليًا أن اختلاف مقومات كل عصر تُنتج أفرادًا يتحدثون لغةً مشتركةً، تختلف عن لغة سابقيهم ولاحقيهم. إذًا تختلف طريقة تفكير ورؤية كل جيل لما حوله، وما يُعد طبيعيًا أو صحيحًا في وجهة نظر كل منهم.
التسامح مع الأخطاء
لا يتسامح الآباء مع أخطاء صغارهم غالبًا، ويميلون إلى إخبارهم عنها، وربما معاقبتهم أيضًا. يحتاج الصغار إلى الأخطاء ليتعلموا الصواب، وتنمو تجربتهم الحياتية.
إن معاقبتهم كلما أخطؤوا -دون فهم حاجتهم إلى ذلك- هي بداية الطريق لخلق تلك الفجوة بين الأجيال، وتناميها المُطَّرد.
الرغبة في نسخ متماثلة
يرغب الآباء في تنشئة أبنائهم ليصبحوا نسخًا عنهم! يعتقدون أن أسلوب مواكبتهم لعصرهم هو ما ساعدهم على النجاة، وتحقيق ذواتهم. يظنون في أنفسهم الكمال ويرغبون في خلق نسخ من نجاحهم، ناسين متغيرات عصر أطفالهم.
المقارنات غير المنتهية
حين يقارن الآباء أطفالهم بأقرانهم، أو حتى بأنفسهم عندما كانوا أطفالًا، يعتقدون أنهم يحمسون صغارهم ليخرجوا أفضل ما فيهم. الحقيقة أنها أقصر الطرق لفقدان الأطفال ثقتهم بأنفسهم، وتحجيم ذكائهم، وخلق فجوة كبيرة بينهم وآبائهم.
الانشغال الدائم
إن المسؤوليات المتزايدة على كاهل الآباء تُقلل وقت تواجدهم في المنزل. كما يثبط الضغط الناجم عن العمل شغف الوالدين باللعب مع أبنائهم. مما يقلص مساحات التواصل والتفاعل بين الجيلين ويدعم اتساع الفجوة.
وغيرها من الأسباب التي تدفع أفراد الأسرة للتساؤل: أليس هناك حل لتقليص تلك الفجوة بين الأجيال؟
6 نصائح لرأب الصدع
لا توجد مشكلة دون حل، المهم هو تفهم وجودها والسعي في حلها. بعد أن استعرضنا أسباب ذلك الصدع المتزايد، إليك عزيزي القارئ تلك النصائح لمساعدتك على تقليص الهوة، والتعايش بين الأجيال المختلفة:
1. ذهن منفتح
تختلف طريقة تفكير الآباء عن طريقة أبنائهم، إنها نتيجة طبيعية لاختلاف مقومات العصر، لذا يحتاج الوالدين إلى تفهم ذلك. ما يُعد خطئًا أو غير مقبول في فكرهم، ربما أصبح مقبولًا الآن!
يحتاج الآباء إلى تقبل اختلاف طريقة تفكير أبنائهم، وتشجيعهم على التعبير عنها دون خوف.
2. حسن الاستماع
من المهم تخصيص وقت للاستماع إلى الأطفال كيف يرون العالم من حولهم، حتى رؤيتهم لوالديهم وتعبيرهم عنها. يدعم ذلك ثقتهم في أنفسهم، ويقلل شعورهم ببعد آبائهم الفكري والجسدي.
3. وقت للتواصل
نصيحة أخرى لتقليص الفجوة بين الأجيال، هي تخصيص وقت يومي للتواصل مع الأبناء. ربما يساعد حكاية كل منكما كيف كان يومه، وكيفية حله للمشكلات التي واجهته، على فهم كل منكما طريقة تفكير الآخر.
فتح باب التواصل مع ابنك، يشجعه على فتحه معك، ويشعركما بقربكما من بعضكما.
4. الفهم الحقيقي
تساعد النصائح السابقة الآباء على فهم أبنائهم فهمًا حقيقيًا. فتفَتُح الذهن والتواصل وحسن الاستماع، يصل بالوالدين إلى وضع أنفسهم مكان الصغار، واختبار المشاعر التي يمرون بها.
يُعد الفهم الحقيقي لطبيعة اختلاف الجيل الجديد عن سابقه حجر أساس في بناء علاقة متينة بينهما، وتقريب وجهات النظر.
5. الحب غير المشروط
الحب الحقيقي غير مشروط بقواعد أو تعليمات. إنه وسيلة لعبور الحواجز، وتآلف الناس على اختلافاتهم. لذا إظهاره للأبناء يشجعهم على إظهاره للآباء ويخلق جسرًا قويًا يعبرون به تلك الفجوة بين الأجيال.
6. الحلول الوسط
إن التفاوتات الجيلية ليست ذنب أحد، علينا جميعًا تقبل متغيرات العصر ومحاولة مواكبتها. ليس على الآباء التخلي عن حقيقة ما هم عليه ليفهموا أبناءهم. كما ليس على الأبناء التخلي عن مواكبة عصرهم والعيش في إثر آبائهم.
إن حقيقة ما نريد الوصول إليه هي حلول وسطية، يشعر فيها جميع الأفراد بأنفسهم، وعدم تخليهم عن حقيقتهم أو شخصياتهم. نحتاج إلى فهم طبيعة الاختلاف والوصول إلى منطقة وسط يشعر فيها الجميع بتقبلهم -آباءً وأبناءً- دون إرغام أو إصدار أحكام.
هكذا سنتجاوز الفجوة الجيلية المتفاقمة والمتسارعة جيلًا بعد جيل، ونبني جسورًا من التواصل والتفاهم والعلاقات الحقيقة والمتينة عبر العصور.
ختامًا عزيزي القارئ، عليك التحلي بالصبر والحب الحقيقي والفهم المتفتح لترأب اتساع الفجوة بين الأجيال، وتحافظ على علاقات جيدة بجميع الناس على تفاوت أعمارهم.