سلالة كورونا في جنوب أفريقيا | هل يمكنها اختراق لقاح فايزر

د. نشوى سالمان

بعد تفشي فيروس كورونا كان الأمل كبير في القضاء عليه بعد ظهور كثير من اللقاحات وعلى رأسها لقاح فايزر Pfizer الذي أثبت فاعليته بنسبة 95% في الحماية من الإصابة بداء كوفيد-19، ولكن ظهرت سلالة جديدة بجنوب أفريقيا أثارت الجدل حول استمرارية فاعلية هذه اللقاحات. فعمت حالة من الإحباط وخيبة الأمل في التصدي لهذا الوباء والعودة للحياة الطبيعية مرةً أخرى.

فهل أثبتت التجارب فاعلية لقاح فايزر في مواجهة هذه السلالة الجديدة، هذا ما سنتناوله عبر سطور هذا المقال، فتابع معنا.

لقاح فايزر pfizer

لنبدأ بالحديث عن تكوين لقاح فايزر وكيفية عمله

بدايةً مما يتكون لقاح فايزر pfizer؟

يتكون لقاح فايزر من mRNA مع بعض المكونات الطبيعية لأي لقاح مثل الدهون والأملاح والسكر، ولا يحتوي على أي أجزاء ضعيفة أو ميتة من الفيروس نفسه، كالمعتاد من اللقاحات.

كيف يعمل لقاح فايزر pfizer؟

يحفز mRNA، المكون الأساسي للقاح فايزر، خلايا الجسم لتوليد بروتين سبايك. وهو البروتين المسبب للعدوى الموجود على سطح الفيروس التاجي الجديد. مما يؤدي إلى تكوين أجسام مضادة لمواجهة بروتين سبايك الخاص بداء كوفيد-19.

فاعلية لقاح فايزر pfizer

أعلنت شركة فايزر يوم 01 أبريل 2021 نتائج تجربة شارك فيها 46,307 شخصًا، أكدت فيها إصابة 927 حالة مؤكدة بأعراض كوفيد-19. منهم 850 حالة في مجموعة الدواء الوهمي و77 حالة فقط ممن تلقوا لقاح فايزر. كما خضعت هذه الحالات للمراقبة لمدة سبعة أيام حتى ستة أشهر بعد تناول جرعة اللقاح الثانية. وهو ما يبين أن لقاح فايزر Pfizer كان فعالًا بنسبة 91.3٪ ضد الإصابة بكوفيد-19.

بينما كان فعالًا بنسبة 100٪ ضد الأعراض الشديدة كما أشار مركز السيطرة على الأمراض (CDC). إذ ظهرت 32 حالة مصابة بأعراض شديدة، في مجموعة الدواء الوهمي مقابل لا شيء في المجموعة الملقحة بتطعيم فايزر.

أما إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) فأعلنت في تجارب لها أن لقاح فايزر Pfizer فعال بنسبة 95.3 ٪ إذ ظهرت إصابة 21 حالة بأعراض شديدة في مجموعة الدواء الوهمي مقابل حالة واحدة فقط في المجموعة الملقحة بتطعيم فايزر.

في تقرير لها يوم 7 مايو 2021، صرحت CDC بعد متابعة عدة حالات، من شهر يناير 2021 إلى شهر مارس 2021، يزيد أعمارهم عن 65 عامًا، قد تلقوا لقاح فايزر Pfizer المصرح به، بثبوت فاعلية اللقاح الكبيرة ضد البقاء في المستشفى نتيجة الإصابة بفيروس كورونا. إذ كانت فاعليته 94٪ بين الذين أخذوا التطعيم بالكامل و 64٪ بين الذين أخذوه جزئيًا.

تجربة فايزر Pfizer وموديرنا

تشير التجارب السريرية إلى فاعلية عالية للقاح فايزر وموديرنا ضد فيروس كورونا، ولكن يلزم تقييم فاعلية لقاح كورونا على أرض الواقع وفي الفئات السكانية المعرضة للخطر، بما في ذلك كبار السن.

صرحت CDC أنه قلل لقاحي فايزر Pfizer وموديرنا Moderna من الاحتياج للحجز داخل المستشفيات بالولايات المتحدة الأمريكية، بسبب داء كوفيد-19، بنسبة 94٪ للبالغين الذين يبلغ أعمارهم 65 عامًا فما فوق لمن تلقى الجرعتين كاملتين و 64٪ لمن تلقى جرعة واحدة، خلال الفترة من يناير إلى مارس عام 2021.

إذ أُعطي اللقاحين بشكل متساوٍ، وكان عمر نصف المرضى تقريبًا أكبر من 75 عامًا، مما يوضح دليلًا على فاعلية عالية لكلا اللقاحين على أرض الواقع ضد كوفيد-19 لدى كبار السن.

ومن ثَمّ قد يؤدي الاستمرار في تطعيم البالغين بسرعة إلى مقاومة انتشار هذا الوباء وانخفاض متناسب في حالات الوفيات الناجمة عن الإصابة بفيروس كورونا.

ولكن عند تقييم تأثير تلقي جرعة واحدة فقط، لم يظهر فاعلية كبيرة للقاح بعد أقل من 14 يومًا من الجرعة الأولى، مما يدل على استمرارية خطر الإصابة بالمرض وتدهور الأعراض بعد فترة وجيزة من التطعيم، أي قبل تحقيق الاستجابة المناعية الوقائية.

ويعزز ذلك ضرورة مواصلة سلوكيات التباعد الجسدي والوقاية الموصى بها، مثل استخدام أقنعة الوجه ونظافة اليدين لمدة 14 يومًا على الأقل بعد الجرعة الثانية من تلقي الجرعتين.

سلالة كورونا الجديدة بجنوب أفريقيا

في ديسمبر 2020 اكتشف العلماء ظهور سلالة جديدة من فيروس كورونا سريعة الانتشار ظهرت لأول مرة في جنوب إفريقيا. سُميت هذه السلالة ب 501Y.V2 بسبب حدوث طفرة N501Y ويطلق عليها أيضًا اسم B.1.351، ثم انتشرت بعد ذلك في 60 دولة على الأقل، منهم الولايات المتحدة الأمريكية. أثار هذا قلق العلماء بشأن فاعلية اللقاحات المتوفرة ضد هذه السلالة الجديدة. فقد حدثت الطفرة في بروتين سبايك، الذي يستخدمه الفيروس للالتصاق بالخلايا البشرية والدخول إلى جسم الإنسان.

وهذا الأمر يستدعي القلق إذ تستهدفه لقاحات كوفيد-19 وعلاجات الأجسام المضادة لمواجهة الفيروس.

كما أثارت مخاوف الأشخاص الذين أصيبوا بالفعل حول احتمالية الإصابة به مرة أخرى من السلالة الجديدة.

إذ وجدت السلطات الصحية بجنوب إفريقيا أن هذه السلالة الجديدة قد حلت محل سلالات كورونا الأخرى المنتشرة هناك. مما قد يشير إلى زيادة قابلية انتقال هذه السلالة الجديدة، هذا بالإضافة إلى عوامل أخرى قد تؤثر على سرعة انتقالها.

بينما لم يظهر دليل واضح على أن السلالة الجديدة قد تكون أقوى أو قد تسبب أعراض أشد من السلالات الأخرى.

أجريت العديد من التحقيقات لفهم العوامل المؤثرة على سرعة الانتقال، وكيفية التشخيص المختبري، والعلاجات المستخدمة، ومقاومة هذه السلالة ضد اللقاحات الحالية.

ما السبب في تحور الفيروس؟

يُعد تحور الفيروسات أمرًا طبيعيًا. فعندما ينتشر الفيروس على نطاق واسع بين السكان ويسبب العديد من الإصابات، تزداد احتمالية تحوره ومقاومته.

أشارت منظمة الصحة العالمية إلى أن معظم الطفرات الفيروسية لها تأثير ضئيل يكاد يكون معدوم على قدرة الفيروس على التسبب في العدوى أو المرض. ويعتمد هذا على المكان الذي ظهرت فيه الطفرة في المادة الوراثية للفيروس، فقد تؤثر على خصائص الفيروس مما يؤثر على سرعة انتقال الفيروس أو قد يتسبب في ظهور أعراض أكثر أو أقل خطورة.

ما مدى خطورة هذه السلالة الجديدة؟

تزامن اكتشاف وانتشار هذه السلالة في جنوب إفريقيا مع زيادة قوية في الإصابات في البلاد، رغم انخفاض عدد الحالات الجديدة بشكل حاد منذ أن بلغت ذروتها في يناير 2021 في الدول الأخرى. أدى ذلك لاستنتاج مجموعة من الباحثين بجنوب إفريقيا أن سلالة B.1.351 قد تكون أكثر انتشارًا بنسبة 50٪ تقريبًا من سلالات كورونا الأخرى. يمكن أن يرجع ذلك إلى حدوث بعض التغيرات في بنية الفيروس، التي يبدو أنها تجعل التصاقه بالخلايا البشرية وإصابتها أسهل من قبل.

فاعلية لقاح فايزر بجنوب أفريقيا

أعلنت شركة فايزر تسجيل 800 مشارك من جنوب أفريقيا وخضوعهم تحت الملاحظة بعد تفشي السلالة الجديدة هناك. منهم من تلقى لقاح فايزر ومنهم من تلقى جرعة الدواء الوهمي. ظهر إصابة تسع حالات منهم بفيروس كورونا، جميعهم في مجموعة الدواء الوهمي. وأكدت التحاليل أن التسع حالات مصابين بالسلالة الجديدة بجنوب أفريقيا (B.1.351)، مما يشير إلى فاعلية اللقاح بنسبة 100٪ ضد سلالة جنوب أفريقيا.

تدعم هذه البيانات نتائج سابقة من دراسات توضح أن تطعيم فايزر تسبب في استجابة قوية للجسم ضد سلالة B1.351، وعلى الرغم من أنه أقل من السلالة البرية، إلا أنه لا يبدو أنه يؤثر على فاعلية اللقاح العالية ضد هذه السلالة.

هل كان لمنظمة الصحة العالمية رأيًا آخر حول فاعلية لقاح فايزر في مقاومة سلالات كوفيد-19 الجديدة

أعلنت منظمة الصحة العالمية أن اللقاحات المتوفرة حاليًا التي من ضمنها لقاح Pfizer توفر حماية ضد سلالات فيروس كورونا الجديدة، وإن كانت أقل منها في السلالات الأولية. إذ تثير هذه اللقاحات استجابة مناعية واسعة تشمل مجموعة من الأجسام المضادة والخلايا. لذا فغير متوقع أن تسبب هذه الطفرات انعدام فاعلية اللقاحات المتوفرة.

ما تفعله منظمة الصحة العالمية لرصد وفهم تأثير متغيرات الفيروس على فعالية لقاحات كوفيد-19؟

تتعقب منظمة الصحة العالمية الطفرات والمتغيرات التي تحدث في الفيروس منذ بداية تفشيه. كما تعمل منظمة الصحة العالمية مع الباحثين ومسؤولي الصحة والعلماء لفهم كيفية تأثير هذه السلالات على الفيروس، بما في ذلك تأثيرها على فاعلية اللقاحات.

توصي المنظمة جميع البلدان بمتابعة تطور الفيروس ومشاركة التجارب والبيانات على قواعد البيانات العامة بين جميع الدول. لمساعدة بعضها البعض على مواجهة الوباء المتطور والاستجابة له. كما أنشأت منظمة الصحة العالمية إطار عمل لرصد وتقييم مخاطر فيروس كورونا المستجد SARS-CoV-2 لتحديد الطفرات المثيرة للقلق ورصدها وتقييمها. وتقييم تأثيرها على التشخيص والعلاجات واللقاحات.

وصرحت أنه قد يتعين على الشركات المصنعة التي تستخدم اللقاحات التكيف مع تطور فيروس كورونا. على سبيل المثال، قد نحتاج إلى دمج أكثر من سلالة واحدة في اللقاح الواحد. وقد تكون هناك حاجة إلى جرعات منشطة وتغييرات أخرى للقاح لمواجه طفرات كوفيد-19.

وأخيرًا، بينما يبحث العلماء عن كل جديد لمواجهة الفيروس المستجد. نحتاج إلى بذل كل ما في وسعنا لوقف انتشاره من أجل منع حدوث الطفرات التي قد تقلل من فعالية اللقاحات الموجودة.

لذا، عليك عزيزي القارئ مواصلة تجنب الأماكن المزدحمة، والالتزام بالتباعد الجسدي، وغسل اليدين، وتلقي لقاح كوفيد-19 في أسرع وقت ممكن لحماية نفسك والآخرين.