طب عامطبي

متلازمة لينش وشبح السرطان

تخيل أنك تشاهد عرضًا رياضيًا كبيرًا يشارك فيه فريقان من البنات والأولاد. إذ يكَوِّن فيه اللاعبون من كل فريق أشكالًا متناغمة تتكامل مع الأشكال الهندسية التي يَنظُمها الفريق الآخر. ثم فجأةً ينحرف بعض اللاعبين عن الشكل المطلوب ليتسببوا في عدم التوافق بين مظهرَي الفريقين! هذا بالضبط ما يحدث في متلازمة لينش، فاستمتع بالدقائق القليلة التالية لتعرف عنها أكثر.

ما متلازمة لينش؟

تعرف كذلك باسم سرطان القولون والمستقيم الوراثي (HNPCC)، تعَد من أشهر متلازمات السرطان الناتج عن الأمراض الوراثية، وهي طفرات جينية.

يحدث هذا النوع من الطفرات الجينية المتورطة في متلازمة لينش في شخص من كل ثلاثمائة شخص تقريبًا. وتسبب نحو ٤۰۰۰ حالة سرطان قولونِي مُسْتِقيمِي، و١٨٠٠ حالة سرطان بطانة الرحم سنويًا.

فماذا يعني السرطان؟

حين يختل نظام الانقسام الخلوي في بعض خلايا الجسم تصبح كالمجنونة؛ إذ تستمر في الانقسام بلا توقف (بسبب تغيرات جينية في الجزء المسؤول عن إيقاف الانقسام الخلوي) إلى أن تكون ملايين الخلايا غير الطبيعية.

وتستحوذ وحدها على النفع من الشعيرات الدموية التي تمد خلايا الجسم العادية بالمواد الغذائية اللازمة لها. ثم تنتشر إلى الأنسجة المُحيطة بها أو القريبة منها، ومع ازديادها في الحجم والعدد تصير أورامًا.

يمكن لتلك الخلايا المجنونة الهروب من معارك الجهاز المناعي التي يشنها ضد الأجسام الغريبة، بل تستخدم خلايا المناعة لصالحها!

ما أسباب متلازمة لينش؟ وما آلية حدوثها؟ 

في أثناء التكوين الجنيني للإنسان تندمج خلية من الأم تحمل معلومات خصائصها الوراثية كاملة مع خلية أخرى من الأب تحتوى كذلك على معلوماته الوراثية.

فيصيرا خليةً واحدة تقسم ثم تنقسم لتُكوِّن جنينًا حيًا بعد عدد كبير من الانقسامات المُمَنهجة المتتالية. يحمل هذا الجنين جينات كِلا الأبوين.

تحدث متلازمة لينش بسبب طفراتٍ جينية موروثة تؤثر على الحَمْضُ الرِّيْبِيُّ النَّوَوِي المَنْزُوع الأوكسِجين 

(DNA) المسؤول عن المعلومات الوراثية داخل الخلايا.

يحتوي جسم الإنسان على عديد من الجينات التي تساهم في حماية الجسم من بعض أنواع السرطانات، الجينات المرتبطة بتلك الظاهرة هي (MLHL, MSH2, MSH6, PMS2, and EPCAM) التي تحفظ الجسم من بعض أنواع السرطانات.

عندما تتعرض هذه الجينات إلى طفرات تحدث خللًا في أثناء عملية تضاعف المادة الوراثية من خلال الانقسام الخلوي عبر مرحلة نسخ المادة الوراثية؛ مما يؤثر في عملية الإصلاح الذاتي لترتيب الشريط الوراثي فلا تُباشِر تلك الجينات المُحوَّرة عملها بشكلٍ جيد.

تلك الجينات الطبيعية يرثها كل فرد مرتين؛ إحداها من جينات الأب والأخرى من الأم، وبالتالي يصبح لديه نسختان من نفس الجينات.

فإذا حدثت تلك الطفرات في جينات أحد الآباء فإن الجينات الموروثة من الأب الآخر تظل سليمة، وتعمل بشكلٍ طبيعي لتَحمي الجسم من السرطانات.

أما إذا حدثت الطفرة في الجين الآخر، فإن السرطان غالبًا ينتهز الفرصة ليسكن جسد هذا الشخص. عادةً تكون الطفرة الثانية موجودة في النسيج السرطاني فقط وليست في خلايا الجسد كله.

تسلك التغيرات التي تؤدي إلى متلازمة لينش نفس النمط الوراثي للصفات الجينية السائدة.

وهذا يعني أنه عند حدوث الطفرة في زوجٍ واحدٍ من الجينات، فإن ذلك الجين يستطيع وَحده أن يزيد من فرص الإصابة بسرطان القولون.

بينما تستمر الخلايا غير الطبيعية في الانقسام؛ فيؤدى تكرار ذلك الخطأ إلى تراكم الخلايا المختلة مما يتسبب في نمو الخلايا على نحو لا يمكن السيطرة عليه؛ ويزيد من فرص حدوث السرطانات.

علاقة متلازمة لينش بمرض السرطان

من الجدير بالذكر أن متلازمة لينش تورث صاحبها زيادة فرص الإصابة بالسرطان وليس مرض السرطان نفسه.

فالأشخاص المصابون بمتلازمة لينش أكثر عرضة للإصابة بالسرطان القولوني المستقيمي وأنواع أخرى من السرطانات مثل (سرطانات الرحم والمبايض، والمعدة، والكبد، والكلى، والأمعاء، والمخ، والبروستاتا، وبعض أنواع سرطانات الجلد).

ويحدث ذلك في سنٍ مبكرة نسبيًا أي قبل بلوغهم عمر الخمسين.

يمكن أن يحدث السرطان القولوني المستقيمي بسبب طفرات في جيناتٍ أخرى غير تلك المسئولة عن متلازمة لينش.

وهذا يفسر أن بعض العائلات التي ينتشر فيها السرطان القولوني المستقيمي ربما لم يحدث لديهم أيً من التحورات الجينية المرتبطة بمتلازمة لينش.

 ويمكن تشخيص ذلك بواسطة الفحص الجيني عن طريق لوحات متعددة الجينات؛ التي تستخدم لاكتشاف الطفرات لعدة جينات مختلفة في آنٍ واحد.

أعراض متلازمة لينش

يمكن أن تختلف الأعراض من شخصٍ إلى آخر، وإليكم أهم الأعراض التي تحدث بنسبة من ثمانين إلى تسعين بالمائة من الأشخاص المصابين بمتلازمة لينش طبقا لأنطولوجيا النمط الظاهري للإنسان (HPO):

  • ألم في المعدة.
  • إمساك.
  • سرطان القولون.
  • إجهاد.
  • نزيف مَعدي أو قولوني.

مضاعفات مرض لينش

تؤثر متلازمة لينش على الصحة العامة للشخص المصاب، وقد تؤدي إلى إصابته بأنواعٍ أخرى من السرطانات، ومن الممكن أن ينتقل المرض إلى الأبناء والأحفاد.

كيفية تشخيص متلازمة لينش

يسهل التشخيص في سنٍ صغيرة وذلك بإجراء فحص الأورام لتشخيص مرض لينش.

وَوِفقًا لدليل باثزدا الإرشادي لاختبار أعراض متلازمة لينش؛ فإن ظهور أي من تلك الأعراض يؤكد الإصابة بالمتلازمة ومن أهمها:

  • نمو سرطان مستقيمي قولوني أو رحمي قبل بلوغ سن الخمسين.
  • نمو السرطان القولوني المستقيمي بالتزامن مع أي نوع آخر من السرطانات المرتبطة بمتلازمة لينش.
  • إصابة أحد الأقارب من الدرجة الأولى على الأقل (الآباء، والأبناء، والأشقاء) بسرطان القولون المستقيمي بالتزامن مع أحد أنواع السرطانات المرتبطة بمتلازمة لينش قبل سن الخمسين.

هل يمكن علاج متلازمة لينش؟

يعد الهدف الأساسي من العلاج هو التخلص من البوليبات المعوية (سَليلَات لَحْمِيَّة) والخلايا السرطانية، ربما يحدث ذلك باستخدام منظار البطن أو بالتدخل الجراحي في الحالات الشديدة.

وقد أقرت منظمة إدارة الأغذية والأدوية العالمية (FDA) استخدام عقار لوكوفورين (حَمْضُ الفولينيك) (Leucovorin) بالتزامن مع عقار 5_فلورويوراسيل (5-fluorouracil) في العلاج التخفيفي.

وذلك لزيادة فرص البقاء عند الأشخاص الذين يعانون المراحل المتقدمة من السرطان القولوني المستقيمي.

المنظار

يفتح الطبيب شِقًا صغيرًا في البطن حيث المكان المُشتبَه إصابته، ثم يدخل أداة أسطوانية رفيعة تسمى منظار القولون، فتعكس له الصورة الداخلية ويُدخل بواسطتها ملاقيط للفحص والاستئصال.

فإذا وجد الطبيب زوائد لحمية صغيرة يستأصلها عن طريق إبرة الاستئصال في أثناء عملية المنظار، أما إذا لاحظ نسيجًا سرطانيًا فيُفضَّل حينها التدخل الجراحي.

التدخل الجراحي

إذا تأكد الطبيب الجراح من وجود الكتل السرطانية يلجأ إلى الحل الجراحي لاستئصالها كُليًا، يختلف نوع الجراحة تبعًا لمكان وحجم السرطان؛ ومن أهم هذه الجراحات ما يلي:

جراحة الاستئصال الكلي للمستقيم والقولون وفغر اللفائفي (Total Proctocolectomy with Brooke Ileostomy)

تُجرَى هذه الجراحة عندما يتسبب السرطان القولوني المستقيمي في الآتي:

  • تمكن السرطان من غزو المستقيم.
  • العضلة العاصرة الشرجية فقدت كفاءتها الوظيفية ولم تعُد تتحكم في خروج البراز بشكلٍ إرادي.
  • ضعف العضلة العاصرة.

في هذه العملية يٌخرج الجراح الأمعاء خارج البطن ويستأصل القولون الداخلي والمستقيم.

ثم يستأصل كيسُ فُغْرَةِ اللَّفائِفِيّ حيث تتجمع فيه بقايا ومخلفات الهضم والعمليات الحيوية في الجسم.

قد تكون إزالة هذا الجزء من اللفائفي بشكلٍ إما مؤقت أو دائم حسب رؤية الطبيب.

إجراء عملية جراحية لاستئصال القولون مع فغر اللفائفي (Colectomy With Ileorectostomy)

هذه العملية أقل تعقيدًا من النوع السابق، وتتميز عنها بأنها تحافظ على وظيفة الأمعاء.

في خلال تلك الجراحة يزيل الجراح القولون لكنه يُبقي المستقيم كله أو معظمه، ثم يربط الجزء السفلي من الأمعاء الدقيقة بالجزء العلوي من المستقيم.

لكن لسوء الحظ نظرًا لبقاء المستقيم كاملًا فقد يعاود السرطان والزوائد اللحمية غزوه مرةً أخرى.

جراحة استئصال القولون والمستقيم الترميمية (Restorative Proctocolectomy)

في تلك العملية يزيل الطبيب القولون والمستقيم كله أو معظمه، ثم يوصل اللفائفي (الجزء الأخير من الأمعاء الدقيقة) بالجزء المتبقي من المستقيم ليكون جَيبًا يعمل فيما بعد كمخزن لفضلات الجسم بدلًا من القولون.

وأخيرًا ما زال العلم في تقدمٍ مستمر والأبحاث الطبية لا تعرف الوهن ولا الاستسلام، نأمل بإذن الله تعالى أن يكتشَف دواء يقضي على السرطان نهائيًا، ويساعد كل مصابيه عامةً ومصابي متلازمة لينش خاصةً ليهنئوا بحياتهم الطبيعية، وندعو الله أن يخفف آلام ومعاناة كل المرضى في كل مكان.

اقرأ أيضًا

مريض السرطان والانتصار في المعركة

مرض السرطان | الوحش الهائج!

الدليل الشامل لأمراض القولون المختلفة والعلاج

المصدر
cdc.govhopkinsmedicinecancermayoclinic

د.سما منذر

أترك العَنانَ لقلمي أن يشْرُف بالكتابة بلغة القرآن الكريم في المجالات والعلوم الطبية من مصادرها الموثوقة، لأني أؤمن أن الحروف إذا نُظِمَت بفنٍ فإنها تَنشر علمًا، وتمحو جهلًا، وتُنير فكرًا، وتساعد في نهضة الأمم. آملةً أن يجعل اللَّه ما أكتب مفيدًا للناس ومؤثرًا فيهم بإيجابية، وأن يكون صدقة جارية عني يوم يُواريني التراب، فاذكروني بدعوة ولكم بمثلها. د. سما منذر

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى