الصحة النفسيةطبي

متلازمة الحزن الشديد | الجانب المظلم للحزن الشديد

لم أتخيل يومًا أن الحزن على فقدان شخص عزيز، يمكن أن يؤدي إلى ما يُعرَف بمتلازمة الحزن الشديد أو اضطراب الفقدان المعقد؛ حتى رأيت معاناة صديقتي بعد خسارتها لوالديها على التوالي.

فلم تكن قد تعافت بعد من صدمة تقبل رحيل والدها حتى تفاجأت برحيل أمها كذلك، وانخرطت بعدها في حالة من الحزن الشديد والعزلة عن المقربين منها، وأصبحت لا ترى أمامها سوى ذكرياتها معهما.

أسباب متلازمة الحزن الشديد (Complicated grief)

يمكن أن يتسبب في حدوث متلازمة الحزن الشديد أحد هذه الأسباب التالية:

  • عدم القدرة على تخطي صدمة فقدان شخص مقرب، بالرغم من مرور مدة طويلة على رحيله.
  • خوض مأساة خسارة أكثر من شخص عزيز خلال مدة قصيرة.
  • عدم التواجد وقت رحيل هذا الشخص.
  • حضور اللحظات الأخيرة لرحيل هذا الشخص الغالي.
  • وجود تاريخ مرضي سابق لأحد الاضطرابات العقلية.

إذًا فالسبب العلمي الرئيس لهذه المتلازمة ليس معروفًا بعد، ولكنها كسائر الاضطرابات العقلية الأخرى التي يمكن أن تحدث بسبب البيئة المحيطة، أو اضطرابات شخصية أو عوامل وراثية.

عوامل الخطر للإصابة بمتلازمة الحزن الشديد

تعد الفئات الأكثر عرضةً للإصابة بهذه المتلازمة النساء وكبار السن، أما العوامل التي تُزيد من فرص حدوث ذلك فهي:

  • خسارة الشخص فجأةً وبصورة غير متوقعة؛ كحالة انتحار أو حادث سير.
  • وجود عِلاقة وطيدة بالشخص المُتوفّى.
  • خسارة طفل صغير.
  • انطوائية الشخص وعدم تلقيه أي دعم نفسي من المقربين حوله.
  • تعرض الشخص لطفولة مؤلمة؛ سواء كانت نتيجة سوء المعاملة أو الإهمال.
  • التعرض لضغوطات الحياة، مثل: الضغوطات المادية.
  • وجود تاريخ مرضي سابق للاكتئاب أو اضطراب قلق الانفصال الطفولي.

أعراض متلازمة الحزن الشديد

توجد عدة أعراض تُلاحَظ على الشخص المصاب بمتلازمة الحزن الشديد، مثل:

  • التفكير الدائم في الشخص المفقود والذكريات المتعلقة به.
  • صعوبة في تقبل فكرة رحيل هذا الشخص.
  • تملُّك الشخص الشعور بالأسى.
  • الرغبة في الوحدة والعزلة، وعدم التعامل مع الآخرين.
  • عدم القدرة على العودة إلى النظام المعتاد للحياة اليومية.
  • فقدان الثقة بالآخرين.
  • الشعور بأن الحياة ليست لها قيمة وبلا هدف في غياب هذا الشخص العزيز.
  • شعور الشخص بالذنب لعدم قدرته على منع حدوث الوفاة.
  • تمني الشخص الموت حتى يجتمع مع فقيده.

مضاعفات متلازمة الحزن الشديد

يؤدي الاستسلام لهذا الحزن الشديد، وعدم الحرص على تلقي المساعدة والعلاج المناسب إلى عدد من المضاعفات، مثل:

ما الفرق بين متلازمة الحزن الشديد والاكتئاب؟

نظرًا لأن متلازمة الحزن الشديد قد تُشخَص بصورة مغلوطة على أنها حالة اكتئاب لتشابه الأعراض؛ لذا كان من الضروري البحث عن خصائص مميزة لكل منهما لسهولة التشخيص والعلاج.

يحدث الاكتئاب نتيجة اختلال في توازن بعض المركبات الكيميائية بالمخ، ولا يعد الضغط النفسي سببًا رئيسًا لحدوثه ولكنه يُزيد من تدهور الحالة أكثر.

توجد عدة أنواع من الاكتئاب لعل من أبرزها الاضطراب الاكتئابي الكبير (major depressive disorder)، الذي تستمر أعراضه لسنوات؛ مما يؤثر سلبًا على أسلوب حياة الشخص.

تشمل الأنواع الأخرى للاكتئاب ما يلي:

  • الاكتئاب الذُهاني (psyhotic depression): يسبب هذا النوع من الاكتئاب الهلاوس.
  • اكتئاب ما بعد الولادة (postpartum depression): الذي يصيب الأم بعد الولادة.

أما الأعراض المتشابهة بين الاكتئاب ومتلازمة الحزن الشديد فهي السبب في التشخيص الخاطئ، لكن هناك بعض الأعراض التي ينفرد بها مرض الاكتئاب، مثل:

  • الحزن الدائم والقلق.
  • الألم الجسدي الذي لا يتجاوب مع العلاج.
  • الأرق أو النوم الزائد.
  • فقدان الشغف في ممارسة الهوايات المعتادة.
  • الشعور بالذنب.
  • محاولة الانتحار.

لذا فإن التشخيص الصحيح يُمهد الطريق للعلاج الملائم للحالة، الذي يختلف بالطبع لكلٍ منهما؛ ففي حالة الاكتئاب تعد حماية الشخص من محاولته الانتحار خطوةً إيجابيةً في عدم تدهور الحالة.

كذلك يساعد الدعم النفسي للمريض على تخطي الاكتئاب، إضافةً إلى الأدوية المناسبة التي يصفها الطبيب المختص، أما فيما يخص طرق الوقاية والعلاج لمتلازمة الحزن فسنوضحها فيما يلي.

علاج متلازمة الحزن الشديد

يعتمد العلاج بعد تقييم الطبيب للحالة على استخدام إحدى هاتين الطريقتين أو كلتيهما:

1- العلاج النفسي

يشبه أسلوب علاج متلازمة الحزن الأساليب المتبعة لعلاج الاكتئاب، لكن هناك بعض الطرق المحددة للمتلازمة، ولا تختلف النتيجة النهائية للعلاج سواء كان المصاب بمفرده أو مع مصابين آخرين.

تعتمد هذه الجلسات العلاجية على التحاور والنقاش في عدة مواضيع، مثل:

  • التعريف بمتلازمة الحزن الشديد، وكيفية العلاج.
  • التحدث عن أعراض المتلازمة، ومشاعر الحزن.
  • طرق التكيف مع فقدان الشخص المقرب.
  • التشجيع على إجراء محادثة تخيلية مع الشخص المفقود، وسرد أحداث الوفاة.
  • كيفية التعامل مع المشاعر والأفكار.
  • العمل على تقليل مشاعر الندم والذنب.
  • تعلم مهارات للقدرة على تجاوز هذه الأزمة.
  • توطيد العلاقات الاجتماعية بالآخرين.
  • الحديث عن الخطط المستقبلية.
  • التكيف على التعايش مع الذكريات المرتبطة بالشخص الراحل، سواء كانت في الأماكن أو الأغراض.
  • التذكير بأن العِلاقة لم تنقطع بالشخص برحيله؛ لكن ستظل الذكريات تجمعه به طول عمره.

2- الأدوية

نظرًا لأن متلازمة الحزن الشديد قد تكون مصحوبةً بالاكتئاب؛ لذا فإن أدوية الاكتئاب في هذه الحالة مطلوبة وذات نفع؛ إذ إنها تساعد على تخفيف أعراض المتلازمة، مثل: سيتالوبرام (Citalopram).

الوقاية من متلازمة الحزن الشديد

لا شك أن الوقاية أفضل من العلاج؛ إذًا فما هي طرق الوقاية لتجنب الإصابة بمتلازمة الحزن؟ لعل من أبرز هذه الطرق وأهمها وجود دعم نفسي لهذا الشخص من الأصدقاء وأفراد العائلة.

يساعد هذا الدعم على سرعة تعافي الشخص من صدمة الفقدان، وسهولة تقبله تدريجيًا لفكرة عدم وجود فقيده وتكيفه على حياته بهذا الوضع، مع بدء استعادته لنظام حياته اليومي.

يوجد بعض النصائح البسيطة التي يمكن اتباعها لتجنب الوصول لمرحلة متلازمة الحزن الشديد، مثل:

  • إظهار الشخص لمشاعره الحقيقية التي يمر بها في صورة بكاء أو غيره، وليس التي يطالبه الآخرين بإظهارها.
  • أن يُقدِّر الشخص الوقت الكافي الذي يحتاجه حتى يتعافى من ألم الفقدان.
  • التحدث عما يشعر به من حزن مع الأشخاص المقربين له.
  • الاهتمام بالصحة وممارسة أي نشاط جسدي للتخلص من التوتر.
  • تجنب تناول الأدوية المخدرة؛ لما لها من تأثيرات سلبية على الجسم فيما بعد.
  • مسامحة النفس عن أي فعل أو عمل سيئ مع الشخص المفقود، وعدم الشعور بالذنب.
  • محاولة عمل شيء لتخليد ذكرى هذا الفقيد العزيز.
  • التخطيط لمناسبات مستقبلية، مثل: الرِّحْلات أو أعياد الميلاد.

بهذا فقد انتهينا من تقديم كافة المعلومات الأساسية عن متلازمة الحزن الشديد، وكيف يمكن أن يسوء الأمر من مجرد حزن إلى حالة نفسية أصعب في العلاج.

فمن المؤكد أن خوض تجربة فقدان شخص مقرب إلينا ليست بالشيء الهين، ولكن يجب ألاّ نستسلم لهذا الشعور بالحزن؛ حتى لا ننجرف إلى هاوية الاكتئاب والعزلة وربما محاولة الانتحار.

وفي الختام أُسدي إليك عزيزي القارئ هذه النصيحة، وهي ألا تَدع نفسك فريسةً للمشاعر والأحاسيس السلبية والحزينة؛ فهذه النفس أمانة ولا تستحق هذا العذاب.

اقرأ أيضًا

تريتيكو | لا تدع الاكتئاب يسرق حياتك 

الاضطرابات الانشقاقية (الاضطرابات التفارقية) والانفصال عن النفس

اضطراب ما بعد الصدمة | متى تنتهي معاناتي؟!

مراجعة عامة وتدقيق/ د.غادة هيكل

مراجع طبي/ د. أروى سمير

المصدر
onlinelibrarycancer.orgverywellmindmayoclinichealthline

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى