د/دعاء رضا
أصبحنا جميعًا منذُ بدأت الثورة العلاجية خلال الحرب العالمية الثانية نُبحر في بحرٍ عميقٍ من الأدوية، التي تتطور كل يومٍ عن سابقه.
يضيف العلماء لنا كل يومٍ إضافة تُحدث معجزة، ربما تبعد أذى، أوتُنقذ حياة إنسان.
اليوم سنحدثك -عزيزي القارئ- عن أحد هذه الأدوية أو العقاقير ألا وهو – السلفوناميد– أو أدوية السلفا.
اُستخدمت أدوية السلفا لأول مرة كمضادات حيوية في ثلاثينيات القرن الماضي، وأحدثت حينها ثورة في الطب، بدأت البكتيريا بعدها في تطوير مقاومتها للأدوية، في النهاية استُخدم البنسلين علاجًا من الدرجة الأولى، ولكن لا يزال السلفوناميد يُستخدم بشكل شائع لعلاج أنواع متنوعة من الأمراض.
هيا بنا -عزيزي القارئ- نبحر سويًا بين سطور هذا المقال لنتعرف على السلفوناميد أكثر.
ما هو السلفوناميد (Sulfonamide)؟
تُشتق أدوية السلفوناميدات -تُسّمى أيضًا (أدوية السلفا)- من مادة السلفانيلاميد (sulfanilamide)، وهي مادة كيميائية تحتوي على الكبريت.
تُعَد معظم السلفوناميدات مضادات حيوية، ولكن يُوصف البعض لعلاج التهاب القولون التقرحي (ulcerative colitis)، تسكين الآلام وغيره؛ وهذا يوضح عدم الدقة في الإشارة إلى أن مجموعة السلفوناميدات ما هي إلا مضادات حيوية فقط.
تعمل المضادات الحيوية من السلفوناميد عن طريق تعطيل إنتاج حمض ثنائي هيدروفيلك، وهو شكل من أشكال حمض الفوليك الذي تستخدمه البكتريا والخلايا البشرية لإنتاج البروتينات.
تُعَد عقاقير السلفا هي أول فئة من المضادات الحيوية اُكتشفِت على الإطلاق على المستوى الجزيئي.
آلية عمل أدوية السلفوناميد
تعمل أدوية السلفا عن طريق ربط وتثبيط إنزيم يسمى ديهيدروبتيروات سينسيز(dihydropteroate “DHPS”synthase)، الضروري لتخليق حمض الفوليك، وهو عنصر غذائي أساسي تُصنعه البكتريا لتعيش وتتغذى عليه.
يتطلب تخليق الفولات تفاعلًا كيميائيًا بين جزيئين (p-aminobenzoic(PABA)) ،(DHPP)، يُحفزوا بواسطة (DHPS).
تبنى فكرة عمل مضادات السلفا الحيوية على أنها تناسب موقع إنزيم ديهيدروبتيروات سينسيز(DHPS) النشط، وتحل محل (PABA)، من خلال إدخال مضادات السلفا في بلورات الإنزيم.
وَجَد العلماء أن أدوية السلفا مثبتة في مكانها بهياكل الحلقة المرنة. ومع ذلك، فإن جزءًا صغيرًا من الدواء يبرز من جيب الربط، اكتُشف أن طفرات (DHPS) في البكتيريا المقاومة للأدوية تحدث بالقرب من هذا الجزء الصغير العالق.
السلفوناميد… ما بين الحامضية والقاعدية
لعلك تتساءل -عزيزي القارئ- هل السلفوناميد مشتق من أصل حامضي أم قاعدي؟ فكما ذكرنا أن السلفوناميد مشتق من مركب السلفانيلاميد، وهو مركب كبريت عضوي مشابه في تركيبه لحمض (p-aminobenzoic(PABA) مع خاصية مضادة للجراثيم؛ لذلك له خصائص حامضية.
استخدامات السلفوناميد ومشتقاته
تعد السلفوناميدات مجموعة متنوعة من الأدوية، متوفرة على شكل أقراص وحقن ومحاليل؛ لذلك تستخدم في مجموعة متنوعة من الإجراءات.
إليك -عزيزي القارئ- بعض الحالات التي يمكن استخدام السلفوناميد في علاجها:
- الالتهابات البكتيرية: يستخدم على سبيل المثال، سلفاميثوكسازول(sulfamethoxazole)، تريميثوبريم(Trimethoprim)، سلفيسوكسازول(sulfisoxazole).
- مرض كرون: يستخدم سلفاسالازين(Sulfasalazine).
- النقرس: على سبيل المثال، البروبينسيد(Probenecid).
- داء السكري: غليبوريد(Glyburide)، تولبوتاميد(Tolbutamide).
- ارتفاع ضغط الدم: يستخدم كلوروثيازيد (chlorothiazide)، فوروسيميد(Furosemide)، هيدروكلوروثيازيد (Hydrochlorothiazide).
- الألم والالتهابات: على سبيل المثال، سلفاسالازين (Sulfasalazine).
- التهاب القولون التقرحي: على سبيل المثال، سلفاسالازين (Sulfasalazine).
ما هي الأعراض الجانبية للسلفوناميد؟
تشمل الأعراض الجانبية للسلفوناميدات ما يلي:
- الطفح الجلدي.
- صداع الرأس.
- دوخة.
- إسهال.
- غثيان أو قيء.
- جلد شاحب.
- آلام المفاصل.
- الحساسية للضوء.
يجب إيقاف السلفوناميد عند أول ظهور لطفح جلدي، قبل أن يصبح شديدًا.
يشمل الطفح الجلدي الشديد ما يلي:
- متلازمة ستيفنز جونسون (Stevens–Johnson syndrome)، تشمل أعراضًا مثل:
- ألم بالمفاصل.
- آلام العضلات.
- احمرار.
- تقرحات.
- تقشير الجلد.
- انحلال البشرة النخري السمي(Toxic epidermal necrolysis)، يتضمن أعراضًا مثل:
- صعوبة البلع.
- تقشير.
- احمرار.
- تقرحات في الجلد.
قد يسبب السلفوناميد أيضًا حساسية للشمس تؤدي إلى حروق شديدة (حساسية الضوء)؛ لذا يجب على المرضى الذين يتلقون السلفوناميد تجنب التعرض المفرط للشمس، وارتداء واقٍ للشمس.
تشمل الآثار الجانبية النادرة الأخرى ما يلي:
- تلف الكبد.
- انخفاض عدد خلايا الدم البيضاء.
- انخفاض عدد الصفائح الدموية.
- فقر الدم.
- تكون بلورات في المسالك البولية، قد تتلف الكلى، وقد تسبب ظهور الدم.
حساسية السلفوناميد… احْذَر الإفراط
حساسية السلفا: هي طفح جلدي، أو تفاعل أكثر خطورة لعقاقير السلفوناميد، تحدثُ غالبًا مع المضادات الحيوية، حيث أن حوالي 3% من الناس لديهم نوع من ردود الفعل اتجاههم.
أعراض حساسية السلفوناميد
إذا كان لديك حساسية تجاه أحد أدوية السلفا، فربما ستعاني أحد هذه الأعراض، والتي تشمل:
- طفح جلدي.
- حكة في العين.
- مشاكل في التنفس.
- تورم الوجه.
- متلازمة فرط الحساسية لعقار السلفوناميد، تبدأ بعد أسبوع أو أسبوعين من تناول الدواء.
- اندفاع الدواء: تتكون بقع حمراء، أو منتفخة ومدورة في غضون 30 دقيقة إلى 8 ساعات.
- تورم في الحلق والفم.
الأدوية التي يجب تجنبها مع حساسية السلفوناميد
فيما يلي بعض الأمثلة على أدوية السلفا التي يمكن أن تسبب مشاكل:
- سلفاميثوكسازول (sulfamethoxazole)/ تريميثوبريم (Trimethoprim) (باكتريم، سلفاتريم): دواء مركب من السلفا، ويمكن أن يتناول في صورة سائلة أو حبوب؛ لعلاج العديد من العدوى.
- سلفاسيتاميد (Sulfacetamide) (BLEPH-10): قطرات لالتهابات العين.
- سلفاسالازين (Sulfasalazine) (أزولفيدين): حبوب لالتهاب المفاصل الروماتويدي، والتهاب الأمعاء.
- دابسون (DAPSONE) (أكزون): يعالج الجذام والتهاب الجلد، وأنواع معينة من الالتهاب الرئوي.
علاجات حساسية السلفوناميد
إذا ظهرت عليك أحد الأعراض السابقة يجب عليك زيارة الطبيب؛ لمعرفة الدواء اللازم، ومن ضمن هذه الأدوية لعلاج حساسية السلفا ما يلي:
- مضادات الهيستامين.
- الستيرويدات القشرية.
- الإيبنيفرين.
إذا كنت تحتاج إلى تناول دواء معين ولديك حساسية تجاهه، سيوجهك طبيبك لتناوله ببطء، فيما يسمى بإزالة التحسس الدوائي. ستأخذ جرعة صغيرة جدًا في البداية ثم جرعات أكبر على مدار عدة ساعات أو أيام مع الخضوع للملاحظة.
جرعات السلفوناميد
تختلف جرعات السلفوناميد وفقًا للدواء المُستخدم، والسن، والعدوى.
الجدول الآتي يوضح جرعات السلفوناميد المختلفة للعدوى البكتيرية عن طريق الفم:
سلفيسوكسازول(sulfisoxazole) | سلفاميثوكسازول(sulfamethoxazole)) | سلفاميثيزول(sulfamethizole) | سلفاديازين (sulfadiazine) | العمر |
2-4 جم للجرعة الأولى، ثم 750 مجم-1.5 جم كل أربع ساعات.أو 1-2 جم كل 6 ساعات. | 2-4 جم للجرعة الأولى، ثم من 1-2 جم كل 8-12 ساعة. | 500 مجم- 1جم كل 6-8 ساعات. | من 2-4 جم للجرعة الأولى، ثم 1 جم كل 4-6 ساعات | البالغون والمراهقون |
تعتمد الجرعة على وزن الجسم.الجرعة المعتادة هي 75 مجم/كجم من وزن الجسم للجرعة الأولى، ثم 25 مجم/كجم من وزن الجسم كل 4 ساعات.أو 37.5 مجم/كجم من وزن الجسم كل 6 ساعات. | تعتمد الجرعة على الوزن.50-60 مجم/ كجم من وزن الجسم للجرعة الأولى، ثم 25-30 مجم/ كجم من وزن الجسم كل 12 ساعة. | تعتمد الجرعة على وزن الجسم.الجرعة المعتادة هي 7.5-11.25 مجم/كجم من وزن الجسم كل 6 ساعات. | تعتمد الجرعة على وزن الجسم.75 ملجم/كجم للجرعة الأولى، ثم 37.5 ملجم/كجم من وزن الجسم كل 6 ساعات.أو 25 ملجم/كجم من وزن الجسم كل 4 ساعات. | الأطفال من عمر شهرين فيما فوق |
يجب أن يحدد الطبيب الاستخدام والجرعة. | يجب أن يحدد الطبيب الاستخدام والجرعة. | لا ينصح بالاستخدام. | لا ينصح بالاستخدام. | الأطفال حتى عمر شهرين |
سلفوناميد والحمل هل هو آمن؟
تنتظر الأمهات هذه اللحظة التي يصبح فيها جنينها في رحمها، وتسعى بكل السبل للحفاظ عليه وعلى سلامته، ولكن ماذا إذا حدث ما لا يحمد عقباه دون قصد أو معرفة؟
يعد السلفوناميد أحد هذه المشاكل الخطرة التي قد تسبب ما لا يُحمد عقباه خاصة في أواخر الحمل.
يؤدي استخدام السلفوناميدات إلى إزاحة البيليروبين من البروتينات في دم الرضيع مما يؤدي إلى حالة خطيرة تسمى اليرقان عند الرضيع؛ لهذا السبب لا ينبغي استخدام سلفاميثوكسازول(sulfamethoxazole)/ تريميثوبريم(Trimethoprim) في أواخر الحمل عند النساء.
يجب ألا يستخدم السلفوناميد من قبل الأمهات المرضعات، إذ إنّ سلفاميثوكسازول يفرز في حليب الثدي مسببًا اليرقان.
وأخيرا -عزيزي القارئ- وصلنا لنهاية مقالنا بعد أن استعرضنا فيه كل ما يخص السلفوناميد، أهمس في أذنيك الآن أنه كما هناك أبيض فيوجد أيضًا الأسود، وكما خُلق النهار فيوجد الليل، فكما أن للسلفوناميدا فوائد فله أيضًا أضرار وآثار سلبية، لذلك عليك الحذر عند استخدامه، وتخبر الطبيب في حال ظهور أي أعراض أو تغيرات؛ حتى تتجنب مشاكله الفادحة.
اقرأ أيضًا
كيف تتجنب الاستخدام الخاطئ للمضادات الحيوية؟